ريادة الأعمال بدأت بتغيير القطاع العقاري في المنطقة
شهد النصف الأوّل من العام 2017 صفقات هائلة للشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أحدثت ضجّة لإي البيئة الريادية. وفي حين يعتبر البعض ذلك جزءا من التطور الطبيعي للبيئة الريادية، يجده آخرون فترة مفصليّة في المنطقة بإطلاقها حقبة من الاستثمارات ودورات أعمال جديدة.
تنويع المحفظة الاستثمارية ليس جديداً في المنطقة، فلطالما اعتمدت الشركات الاستثمارية هذه الاستراتيجية لتوزيع المخاطر وتنمية قاعدة استثمارية واسعة وشاملة.
بالإضافة إلى ذلك، ساهم انخفاض أسعار النفط في توجيه المستثمرين الإقليميين نحو مجالات جديدة تدرّ الربح. ويقول وليد حنّا، المؤسس والشريك الإداري لـ"شركاء المبادرات في الشرق الأوسط" MEVP، إنّ "الشركاء المحدودين limited par (وهم في الأساس مقدّمو رأس المال) وجدوا أنّ معدّلات الفائدة تدنت مع انخفاض أسعار النفط التي وصلت إلى 50 دولاراً للبرميل وانخفاض عائدات القطاع العقاري فأرادوا قطاعات ومجالات جديدة وواعدة للاستثمار بها".
من جهته، يعتبر الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لمنصّة التجارة الإلكترونية المصرية "ياقوطة" Yaoota، شريف الرقباوي، أنّ المنطقة تتجه نحو حقبة ما بعد العقارات والبيع بالتجزئة، وهي حقبة تتميز بازدياد ثقة اللاعبين الأساسيين في السوق بالتكنولوجيا والشركات الناشئة.
ويشرح أنّ "هذا التوجّه لا يهدف فقط إلى إيجاد مصادر إيرادات إضافية في القطاع العقاري وشركات التجزئة من خلال التنويع، بل هو خطوة ضرورية للشركات التقليدية لتجنّب تدّني الطلب المستقبلي على خدماتها، وذلك بالاستثمار باكراً في أسواق كبيرة النموّ كالتجارة الإلكترونية".
يرى الرقباوي في حديثه مع "ومضة" أنّ السوق الأميركية تشهد إغلاق أعداد قياسيّة من متاجر البيع بالتجزئة بسبب سيطرة "أمازون" Amazon على السوق، حتى أنّ البعض بدأوا يطلقون على هذه الظاهرة اسم "نهاية عالم البيع بالتجزئة" retail apocalypse. ويعلقّ قائلاً: "وكأننا نشاهد لمحة عن مستقبلنا نحن في المنطقة العربية".
وفي إطار هذه الثورة العالمية والإقليمية تحديداً، يقول متحدّث باسم "إعمار العقارية" Emaar Properties لـ"ومضة"، إنّ شركته تخطط لخوض تحوّل رقمي شامل سيحسّن من جودة خدمة العملاء ويزيد من فعاليّة العمليات.
ويضيف المتحدث أنّ "إعمار" "تطلق في جميع مشاريعها استراتيجيات تفاعل رقمي لتعزيز تفاعلنا مع العملاء وتأمين تجربة شخصيّة لهم. نعتقد أنّ الاستثمار في التكنولوجيا الرقمية ضروري في عالمنا اليوم، بخاصةٍ في الإمارات والمنطقة التي تسجّل إحدى أعلى نسب انتشار الإنترنت والهواتف الذكية".
أمثلة مختلفة
بقي مصطلح الشركة الناشئة التي تقدّر قيمتها بأكثر من مليار دولار "يونيكورن" Unicorn جزءاً من المصطلحات الكلامية في البيئة الريادية، إلى أن استحوذت "أمازون" على "سوق" Souq في آذار/مارس الماضي، محوّلةً هذا المصطلح كثير الاستخدام إلى حقيقة.
ميزانية الصفقة التي يُقال إنّها بلغت مئات ملايين الدولارات وحاولت "إعمار" تصدّرها، دفعت المستثمرين والمساهمين إلى التفكير بما يحمله مستقبل المجال التقني، والشركات الناشئة التي سوف تصبح "يونيكورن" أو تريد أن تصبح كذلك.
بعد فترة قصيرة على صفقة "سوق"، أُعلِن عن سلسلة من الاستثمارات قادت "إعمار" ثلاثة منها: استحوذت "إعمار" على منصّة البيع بالتجزئة "جادو بادو" Jadopado، واستحوذت على حصّة كبيرة في "شركاء المبادرات في الشرق الأوسط"، كما استحوذت "إعمار مولز" Emaar Malls على 51% من منصّة بيع الأزياء "نمشي" Namshi.
بالتوازي، شارك الأمير السعودي الوليد بن طلال إلى جانب شركات "دايملر إيه جي" Daimler AG، أحد أكبر صانعي السيارات الفاخرة في العالم، و"دي سي إم فينتشرز" DCM Ventures و"كواتو ماناجمنت" Coatue Management LLC في نيويورك، في جولة التمويل الخامسة Series E لشركة "كريم" Careem التي بلغت قيمتها 500 مليون دولار، ما جعل "كريم" شركة تُقدّر قيمتها بمليار دولار.
ومنذ ثلاث سنوات، استحوذت شركة "ماجد الفطيم للمشاريع" Majid Al Futtaim Ventures على حصّة في تطبيق المحفظة الرقمية "بيم ووليت" Beam Wallet. وحينها قال الرئيس التنفيذي لشركة "ماجد الفطيم للتمويل"، رسول حجير: "نعتقد أنّ تكنولوجيا الهواتف المحمولة تدخل في صميم تجربة المستهلك في التسوّق، واستثمارنا في ‘بيم ووليت‘ سيعزز قدرتنا على إيجاد لحظاتٍ رائعةٍ كلّ يومٍ للجميع."
واقع صناديق الاستثمار المخاطر
إلى جانب استثمار الشركات الكبيرة بالتكنولوجيا، تهتمّ أيضاً صناديق الاستثمار المخاطر في المنطقة أيضاً بهذا النوع من الأعمال. فبحسب حنّا، ارتفع مبلغ الأموال المجمّعة من صناديق الاستثمار المخاطر من 5 ملايين دولار في العام 2009، إلى أكثر من 700 مليون دولار في العام 2015. وفي العام 2016 فقط، جُمع أكثر من 800 مليون دولار. ويتمّ بالتوازي استثمار هذه الأموال بالشركات الناشئة وشركات التكنولوجيا.
يشرح حنّا أنّ العام 2009 شكّل نقطة تحوّل تاريخيّة في المنطقة، فهذا العام شهد استحواذ "ياهو" Yahoo على "مكتوب" Maktoob، وبدء بلدان مجلس التعاون الخليجي بالتعافي من الأزمة المالية العالمية، وكذلك نشأة صناديق استثمار مخاطر كفئة أصول بديلة "بدَت واعدة" في المنطقة.
ويضيف أنّه "لا نعتقد بأنّ هذه المعركة مؤقتة، فالتكنولوجيا تحدث ثورةً في كلّ القطاعات؛ والمنطقة بحاجة إلى ابتكارات أكثر وإلى تبني اقتصاد المعرفة. تساهم استثمارات صناديق الاستثمار المخاطر في احتضان هذه الثقافة، ونحن في ’شركاء المبادرات في الشرق الأوسط‘ نحبّ الأسواق الإلكترونية ومقدّمي الخدمات عند الطلب، والتكنولوجيا المالية وتكنولوجيا الرعاية الصحية وغيرها من القطاعات التي يمكن إحداث ثورة أو تغيير كبير فيها".
التكنولوجيا والقطاع العقاري
فيما تحدث التكنولوجيا ثورةً في القطاع العقاري، تمتلك الشركات العقارية مجتمعات رياديّة، على غرار "منطقة بيروت الرقمية" Beirut Digital District.
يقول محمد رباح، المدير العام لـ"زد آر إي" ZRE وهي الشركة العقارية التي تقف وراء "منطقة بيروت الرقمية"، إنّ الأمر "لا يقتصر ببناء مشروع عقاريّ ناجح، بل بجذب المجتمعات المناسبة".
سوف تضمّ "منطقة بيروت الرقمية" في المرحلة القادمة وحدات تجارية وسكنية، وفنادق، وخدمات طباعة، ومتاجر بيع بالتجزئة، ومصارف، ونوادٍ رياضية وغيرها. ويضيف رباح "أنّنا نرى أنفسنا كشركة ناشئة تساعد الشركات الناشئة".
نظرة إلى المستقبل
تساهم التكنولوجيا في تشكيل وتغيير جميع المجالات بما فيما صناعة السيارات، والقطاع العقاري، والبيع بالتجزئة.
ويشرح المتحدّث باسم "إعمار" لـ"ومضة" أنّه "التكنولوجيا الرقمية توفّرأكثر المنصّات فعاليّة لكي نكون مستعدين للمستقبل بما يتناسب مع تطلعات الشباب الذين يشكلون الشريحة السكانية الأكبر في المنطقة".
تؤثّر التكنولوجيا أيضاً على الشركات العائلية، وفقاً لرباح، "فالبيئة الريادية تدفع الشركات العائلية إلى ضخّ الأموال في التكنولوجيا التي تكشف عن إمكانيات كبيرة، خصوصاً ٍفي العالم العربي".
ويضيف أنّ ذلك لا يتعلّق بالتنويع وحسب بل بالاعتماد المبكر على هذه الحلول، شارحاً أنّنا سنرى الكثير من الشركات العائلية التي يقودها شباب من الجيل الجديد تخصّص أموالاً لهذه التكنولوجيات الحديثة.
يقوم "أبو خاطر" AN Boukather و"عيسى بتروليوم" IPT و"إندفكو" Indevco و"فتّال" Fattal في لبنان باعتماد مسار مشابه لما يفعله كلّ من "إعمار" وماجد الفطيم في المنطقة. ويقول رباح إنّهم "يسعون إلى إنشاء صناديق تمويل صغيرة وأذرع استثمارية صغيرة للاستثمار في الشركات الناشئة وصناديق الاستثمار المخاطر".
ومن جهته، يعتبر حنّا أنّ صناديق الاستثمار المخاطر تتكاثر في الوقت الحالي، لكنّه يرى غير أنّ بعضاً منها سيختفي قريباً.
ويجدر بالذكر أنّ شركات الاتصالات على غرار "شركة الاتصالات السعودية" STC و"بتلكو" Batelco، خصّصت مبالغ 500 مليون دولار و75 مليون دولار على التوالي للاستثمارات المخاطرة. و"مجموعةإعمار" ومحمد العبار يؤمنان بالتكنولوجيا ويستثمران بكثرة في هذا القطاع. بالإضافة إلى ذلك، تخصص كثير من الشركات العائليّة في الخليج ميزانيات أكبر للاستثمار المخاطر.
الصورة الرئيسية من "ومضة".