قيمة شركة المليار دولار ليست ضمانة على ربحيتها [رأي]
تقوم الفكرة الأساسية وراء الاكتتاب العام الأولي IPO في أنّه يمكن للشركات عندما تحتاج إلى رأسمال أن تُدرج نفسها في بورصات عامة مثل "بورصة نيويورك" و"ناسداك" بدلاً من التواصل مع مستثمرين مؤسساتيين مثل البنوك الاستثمارية وشركات الاستثمار المخاطر وصناديق الاستثمار المشترك. في مثل هذا السيناريو، يتمتع المستثمرون أيضاً بالقدرة على إنجاز صفقة تخارج كاملة أو جزئية. في الوقت نفسه يتوقّع المستثمرون الجدد عوائد أفضل في المستقبل حتى بالنسبة للأسهم التي لا تبدو جيدة لتكون انطلاقة.
ولكن هل هذا التفاؤل مبرّر؟ كلا، على الإطلاق! حلّلت صحيفة "وول ستريت جورنال" Wall Street Journal ربحية الاكتتابات في مقال بعنوان "تحقيق الأرباح مهمّ مجدداً للاكتتاب العام الأوّلي" For IPOs, earning a profit matters again، نُشر في 15 تشرين الأول/أكتوبر 2015. وجدت الصحيفة أنّه بعد السنة الثانية، انخفضت عائدات الشركات غير المربحة تدريجياً بينما استمرّت عائدات الشركات المربحة في الارتفاع.
إذا نظرنا إلى الوضع الحالي للاكتتابات العامة، نجد أنّ السوق انتعشت. ومع ذلك، لا ينجذب اللاعبون الرئيسيون إلى الاكتتابات العامة، إذ ليس من المؤكّد أن هذه الأخيرة ستكون على قدر التقييمات التي وضعها مستثمرو الأسهم الخاصّة على الورق.
ماذا عن المستثمرين والشركات الناشئة التي تتخطى قيمتها المليار دولار في الشرق الأوسط؟
تضم منطقة الشرق الأوسط أكثر من 3 آلاف شركة ناشئة، جمعت المئة الأكثر تمويلاً بينها 1.42 مليار دولار، كما بلغت الاستثمارات في الشركات الناشئة في العام الماضي أكثر من 870 مليون دولار بحيث تلقت كلّ شركة ما معدّله أكثر من 500 ألف دولار.
تعتبر شركة "كريم" Careem لطلب سيارات الأجرة الشركة الناشئة الوحيدة في المنطقة التي تخطّت قيمتها المليار دولار (يطلق على هذا النوع من الشركات تسمية "يونيكورن" unicorn). فقد جمعت "كريم" أموالاً من ثمانية مستثمرين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وآخرين في الولايات المتحدة واليابان وروسيا.
من المهم أن نلاحظ أنّ المستثمرين في الأسهم الخاصة الخاص أصبحوا أكثر صبراً من حيث الإنفاق، وهذا يعني أنّهم يسمحون للشركات بأن تبقى شركات خاصة وتجني ثمار العوائد المفترضة. وفي خضمّ كلّ هذا، لا يفكّر في الاكتتابات العامة إلا عدد قليل من المستثمرين، ومَن انتقل منهم إلى السوق المالية العامة كان عددهم أقلّ من ذلك. إذاً، ما الذي يؤدي إلى هذا التقييم المرتفع لشركات "اليونيكورن" غير المربحة، وماذا الذي يحدث عندما تصل هذه الشركات إلى السوق المالية العامة؟ هل سيحصل المستثمرون على عوائد كافية منها؟
السيولة آتية
تعتبر "أوبر" أكبر شركة تكنولوجيا خاصة من حيث القيمة، وربما أشهر الشركات التي يتوقع أن ترتفع قيمتها. ولكنّ هذه الشركة التي تنمو إيراداتها بسرعة لا تزال غير مربحة. ففي حين بلغت إيراداتها الصافية 6.5 مليارات دولار في العام 2016، سجلت خسارة صافية قدرها 2.8 مليار دولار، وذلك في وقتٍ تعمل فيه بأقلّ تكلفة ممكنة من حيث العمالة. لن يكون نموذج "أوبر" مستداماً إلا إذا كانت تدير أسطولاً خاصاً بها من السيارات ذاتية القيادة، ولكنّ هذا يثبت الحاجة إلى المزيد من رؤوس الأموال الضخمة. وفي الوقت نفسه، تواصل "أوبر" تأمين رأس المال عن طريق تمويل الديون وبيع الأسهم، حيث كانت آخر جولة معروفة بقيادة "صندوق الاستثمارات العامة" Public Investment Fund السعودي بمبلغ 3.5 مليارات دولار.
لا ينظر أولئك الذين يستثمرون في "أوبر" إلى مكرر الربحية (أي نسبة سعر السهم التجاري إلى ربح السهم السنوي) price-earnings ratio (P/E)، بل يستثمرون في الأمل بأنّ تتمكّن "أوبر" يوماً ما من إحداث تغيير في سوق النقل مع إدخال سيارات طائرة إليها أو سيارات توصيل الطعام المعروفة بـ"أوبر إيتس" Ubereats. وهناك دافع هام آخر يتمثل في خوف الشركة من الخسارة؛ إذا فوّت المستثمرون الفرصة الحالية، سوف يضطرون في المستقبل إلى دفع المزيد من المال، فالأثرياء الذين يرغبون في وضع رهانات كبرى ليسوا بقلّة، ولهذا تعمل شركات استثمار مثل "مورغان ستانلي" Morgan Stanley و"بنك أوف أميركا ميريل لينش" Bank of America Merrill Lynch على عرض "أوبر" على عملائها الأغنياء. ومن المحتمل أن يستمرّ هذا في المستقبل المنظور، إذ قد تنتقل "أوبر" من جولة التمويل السابعة Series G إلى جولة التمويل الأخيرة Series Z مع استمرار المستثمرين بضخ المال النقدي واستمرارهم بتغذية شركتهم "اليونيكورن".
إذا قارنّا "أوبر" مع نظيرتها في الشرق الأوسط، "كريم"، سنلاحظ أنّ الأخيرة تعلن عن تحقيق إيرادات أعلى عن كلّ مستخدم. كما سنلاحظ أيضاً أنّ "كريم" هي الأسرع نمواً في السعودية والإمارات، في حين تستطيع "أوبر" جذب مستخدمين جدد بوتيرة أسرع في مصر.
تكمن أكثر العلامات المشجعة في أنّ "كريم" تتطلع إلى تحقيق الربحية في العام 2018 مع تأمين جولة تمويل خامسة بقيادة شركة "المملكة القابضة" Kingdom Holding و"دايملر" Daimler، علماً أنّ "المملكة القابضة" استثمرت في شركات "يونيكورن" أخرى مثل "تويتر" Twitter و"سناب شات" Snapchat قبل أن تُدرجا على الاكتتاب العام.
المستثمرون و"سناب شات"
عندما تُدرج شركة ما نفسها في السوق المالية العامة، فإنّ القصة لا تنتهي هنا فالشركة ما زالت بحاجة إلى الوصول إلى رأس مال في المستقبل. وهذا الموضوع يتكرّر مع جميع المساهمين في الشركة، لذلك يجب أن يكون هناك توازن يضمن مصالح كلٍّ من المشتري والبائع. فالبائعون يودّون الحصول على الحد الأقصى الممكن من رأس المال من دون فقدان السيطرة، والمشترون يريدون الحصول على الأسهم من دون دفع ثمن باهظ.
كان الاكتتاب مختلفاً في حالة "سناب شات". فقد ضخ المستثمرون رأس المال في هذا المشروع من أجل الحصول على أسهم خاصة قبل الاكتتاب العام لاكتساب حقوق التصويت. كما تمكنت الشركة من تجنب بعض التصريحات العامة بشأن الأجور وهيكلية مجلس الإدارة. وهذا يعني أنّ أسهم "سناب شات" عُرضت على الجمهور من دون أن يتمكّن الأخير من الحصول على حقوق التصويت. بالمختصر المفيد: أغلق سهم "سناب شات" على 24.48 دولار للسهم الواحد في يوم الافتتاح، في ارتفاع بنسبة 44% عن سعر العرض الذي بلغ 17 دولاراً، وحققت الشركة قيمة سوقية بلغت 28.33 مليار دولار.
بعد حوالي شهر من افتتاح الاكتتاب العام، أصدرت "سناب شات" تقريرها الأول عن الأرباح، الذي أشار إلى أنّ الشركة تمكّنت من إضافة 8 ملايين مستخدم نشط يومياً خلال هذه الفترة (166 مليون مستخدم نشط يومياً)، مع إيرادات بقيمة 150 مليون دولار ونمو سنوي بنسبة 36% (تقليد لنموذج "فايسبوك"؟). لم تتطابق هذه الأرقام مع توقعات السوق، وانخفضت الأسهم في نهاية ساعة التداول إلى 17.12 دولار - أي أكثر بقليل من سعر العرض الأولي. وبالتالي، إذا كنت من الأشخاص الذين اشتروا أسهماً في الشركة ولست راضياً عن أدائها، لن تستطيع فعل شيءٍ مع أسهمٍ لا تمكّنك من التصويت.
حصل الشريك المؤسّس والرئيس التنفيذي لشركة "سناب شات"، إيفان شبيجل، على ما يقارب 750 مليون دولار عند إغلاق الاكتتاب العام للشركة. وفي نهاية الأمر، حصل المؤسّسون على الملايين من شركة غير مربحة واحتفظوا بالسيطرة الشاملة. ولكنّ ماذا لو أنّهم أخذوا المزيد من الوقت وذهبوا إلى الاكتتاب العام مع نتائج مثبطة لبعض الفصول المالية، فإنّهم لن يحتفظوا بهذه السيطرة الكبيرة وكانوا سيفلسون. ومع ذلك، من المثير للاهتمام أنّ المستثمرَين في المراحل المبكرة – "بينشمارك كابيتال" Benchmark Capital و"لايت سبيد فينتشز بارتنرز" Lightspeed Venture Partners – سيخسران 604 ملايين دولار و410 ملايين دولار على التوالي، مقابل كلّ انخفاض في الأسهم بقيمة 5 دولارات.
عندما يتعلق الأمر بمصير شركة "يونيكورن"، يتّضح أنّ نتائج ما بعد الاكتتاب العام في شركة "سناب شات" كان إشارة سيئة لشركات المليار دولار وكذلك للمستثمرين المخاطرين الذين يغذونها. فما حدث مع "سناب شات" يعتبر تحذيراً من شركة "يونيكورن" فازت في السباق ولكن لم يفز داعموها بالقدر الذي كانوا يتوقعونه مقابل الرهان عليها. لذلك، عندما تصل شركة "يونيكورن" مدعومة بمستثمرين مخاطرين إلى السوق، نأمل أن يعرف المستثمرون أين يضعون أقدامهم.
الصورة الرئيسية من "ستوك فولت" Stockvault.