هل تصبح مصر أرضاً خصبة لرؤوس الأموال المحلية والإقليمية؟ [رأي]
كان عام 2018 عاماً مفصلياً للشركات الناشئة المصرية، إذ حصدت جولات استثمارية أكبر في المراحل اللاحقة من تأسيس الشركات، مما منح بعض الإلهام للكثير من رواد الأعمال المستقبليين.
أصبحت المنظومة الحاضنة للاستثمار في مصر أكثر نضجاً نظراً لوجود المزيد من صفقات الاستثمار في المراحل اللاحقة من عمر الشركات وطرح جولات أكبر حجماً. وبحسب «سيد ستارز إنسايتس Seedstars Insights»، فقد شهد هذا العام حتى تاريخه 13 صفقة من بينها استحواذ «سامسونج Samsung» على الشركة الناشئة محرك المعرفة «كنجن Kngine». وبالكشف عن 10 استثمارات بلغت قيمتها 17.8 مليون دولار، شهد بالفعل عام 2018 زيادة بنسبة 21.4 في المئة في التمويل عن المبلغ الإجمالي الذي تم جمعه عام 2017 البالغ 14.66 مليون دولار.
عمت الدهشة البلد عندما تم الإعلان في شهر أبريل عن حصول شركة Swvl على جولة التمويل من الفئة «أ» بقيمة 8 مليون دولار. لم يحدث من قبل أن تفوز شركة ناشئة في مراحلها الأولى ومكونة من فريق عمل من الشباب بجولة ضخمة كهذه من قبل. استوعبت البيئة الريادية الحاضنة هذا الحجم من الصفقات، فقد أعلنت شركة التوظيف الإلكتروني «بشر سوفت BasharSoft» عن جمعها لمبلغ 6 مليون دولار في الفئة «ب» لصالح منصتي التوظيف التابعتين لها «وظّف Wuzzuf» و«فرصنا Forasna» في شهر مايو.
لم يسبق أن شهدنا مثل هذه الاستثمارات من الفئة «ب» منذ استثمار شركة «فيزيتا Vezeeta» بقيمة 5 مليون دولار في سبتمبر عام 2016.
بيئة ريادية متطورة
من جانبه أوضح خالد إسماعيل (إلى اليمين)، المستثمر الملائكي والمستشار بشركة «ألجبرا فينشرز Algrebra Ventures» لرأس المال المغامر في مصر: "لقد قطعت البيئة الحاضنة لريادة الأعمال في مصر شوطاً كبيراً منذ فترة ما بعد الثورة. فنشهد اليوم المزيد والمزيد من رواد الأعمال المتمرسين ممن لديهم 5 أو 6 سنوات من الخبرة أو ممن يحملون درجة الماجستير في إدارة الأعمال، بدلاً من خريجي الجامعات الجدد".
ونظراً لاكتمال نضج الشركات الناشئة في البيئة الريادية، فقد نضجت أيضاً سلسلة الاستثمار. قبل ثورة 2011، كان «صندوق تنمية التكنولوجيا Technology Development Fund» في الواقع هو اللاعب الوحيد في البيئة الحاضنة لريادة الأعمال بأسرها. واليوم ثمة حضور كبير لمستثمرين محنكين على مختلف المستويات من سلسلة الاستثمار. بدءاً من مسرعات الأعمال مثل «فلات 6 لابز Flat6Labs» و«فلك Falak»، والمستثمرين الملائكين مثل «أليكساندريا أنجلز Alexandria Angels» و«كايرو أنجلز Cairo Angels » و«إتش آي إم أنجل HIMangel»، ورؤوس الأموال المغامرة مثل «ألجبرا فينشرز Algebra Ventures» و«أفيروس فينشرز Avereos Ventures» و«إنديور كابيتال Endure Capital» و«سواري فينشرز Sawari Ventures»، و«إنوفينشرز Innoventures» الذين هم الآن بصدد إقفال صندوق بقيمة 55 مليون دولار.
تُستثمر رؤوس الأموال المغامرة المصرية غالباً بشكل كامل في جولات مرحلة ما قبل التأسيس، والتأسيس، والفئة «أ». لا تزال توجد ثغرة كبيرة قائمة في البلد فيما يخص تمويل النمو - مستثمرين فئة المراحل «ب» و«ج» و«د» الذين يمكنهم تحرير شيكات بقيمة 5 مليون دولار وأكثر. على الرغم من ذلك، وكما يوضح خالد إسماعيل: "تتطور المنظومة الريادية الذكية مع الوقت لسد جميع الثغرات، ولا بد من وجود نسبة معينة من عدد المستثمرين إلى الشركات الناشئة في كل مرحلة". لم يتم تحقيق القدر الكافي من تدفق الصفقات في المراحل اللاحقة من عمر الشركات بعد. ولكن، بالنظر إلى الحجم الهائل للسكان في مصر، لا بد من وجود خط إمدادات مستمر من الشركات الناشئة المتطورة من المرحلة المبكرة إلى مرحلة رأس المال المغامر، إذ ليس من المستبعد أن نشهد إنشاء صندوق نمو في مصر في المستقبل القريب.
عادةً ما يتم تقديم استثمارات المرحلة اللاحقة في الشركات الناشئة المصرية من قبل مجموعة من صناديق تمويلية إقليمية أكبر تقع خارج مصر. إن لوجود مثل هؤلاء المستثمرين الإقليمين لسد فجوة التمويل في الواقع فائدة عظيمة بالنسبة للشركات الناشئة المصرية.
يوضح محمود نوح، الشريك المؤسس لشركة Swvl: "يفهم المستثمرون الإقليميون السوق المصري ويعرفون احتياجاته [...] كما يساعدون أيضاً الشركات الناشئة على الدخول إلى أسواقهم".
ومن هذا المنطلق، يفي المستثمرون الإقليميون باحتياجين من الاحتياجات الأساسية للشركات الناشئة في مرحلة النمو: الحصول على رأس المال والدخول إلى أسواق جديدة. ويعطي الاحتياج الأخير أفضلية كبيرة لرؤوس الأموال المغامرة الإقليمية على المحلية.
في الكفاح تولد الفرص
على الرغم من قلة الاستثمار في المراحل اللاحقة، تظل مصر أحد أفضل الأماكن في المنطقة لانطلاق الشركات الناشئة. فلحسن حظ رواد الأعمال، السوق المحلي ضخم وغني بالمواهب مثلما هو مليء بالتعقيدات. وهو بذلك يملك الإمكانيات لبناء شركات عظيمة.
ويشرح أمير برسوم، رئيس مجلس إدارة شركة «فيزيتا Vezeeta»: "إن بناء المنتجات من أجل السوق المصرية يجعل المنتج غاية في التطور. فالمنتج الذي يغطي احتياجات السوق المصرية يغطي بطبيعته احتياجات الأسواق الأخرى الأقل تعقيداً".
يرى أمير برسوم أنه من الصعب بناء منتجات للأسواق خارج مصر وتوقع نجاحها داخلياً. ويعتقد أنه من أجل نجاح الشركة الناشئة في أن تصبح لاعباً إقليمياً يجب عليها كسب السوق المصرية. وبالتالي، يرى برسوم أن مصر تمثل المكان الأفضل لتأسيس الشركات الناشئة في المنطقة.
بالنسبة للكثير من رواد الأعمال، تمثل مصر بيئة داعمة وميسورة التكلفة لإطلاق شركة. إلى جانب تكاليف التطوير واستقطاب العمالة الرخيصة، يوجد مئات الموجّهين والمرشدين الذين يردون الجميل ويكرسون وقتهم لتقديم يد المساعدة لرواد الأعمال الجدد. علاوة على ذلك، تبذل الحكومة المحلية الكثير من الجهد والموارد لإنشاء بيئة ديناميكية من أجل رواد الأعمال والمستثمرين على السواء. وقد بُذلت الكثير من الجهود خلال السنوات القليلة الماضية من أجل إصلاح قوانين الاستثمار وقوانين الإفلاس وقوانين الشركات، مما سهّل عمل رؤوس المال المغامرة في البلد. خصصت «وزارة الاستثمار والتعاون الدولي (MIIC)» أموالاً للاستثمار في شركات ناشئة من خلال مبادرتها الوطنية لدعم رواد الأعمال في مرحلة الفكرة، «فكرتك شركتك Fekretak Sherketak» وصندوقها للمشاريع «إيجيبت فينشرز Egypt Ventures»، التي تدعم بدورها برامج التسريع المحلية.
نحتاج إلى المزيد من التكنولوجيا
رغم وجود التطور الملحوظ في للبيئة الريادية في مصر، لا يزال هناك الكثير من التحديات الفريدة القائمة أمام رواد الأعمال والمستثمرين. بالنسبة لمحمود نوح، كان من أصعب التحديات أمام Swvl هو طرح منتج جديد في معادلة العرض والطلب لديهم. يعتبر أداء مصر ضعيفاً جداً فيما يتعلق بتبني التكنولوجيات الجديدة. فمصر تأتي في المرتبة 96 عالمياً على مؤشر الجاهزية الشبكية التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي والذي يقيس مستوى الاقتصاد في استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتعزيز القدرة التنافسية ومستويات الرفاه. بسبب معدلات الاعتماد المتدنية هذه، تسجل الشركات معدلات بطيئة في بناء الزخم إضافة إلى إنفاق المزيد من الأموال لتسويق منتجاتها. في حالة شركة «فيزيتا»، يتعين عليهم في مصر تخصيص مبالغ ضخمة للإعلانات خارج شبكة الإنترنت، بينما ترتكز جهودهم بشكل رئيسي على الإنترنت في أماكن أخرى في المنطقة.
ثمة تحد كبير آخر يواجه الشركات الناشئة المحلية يتحدث عنه أمير برسوم من واقع تجربته مع «فيزيتا»، ألا وهو «هجرة الأدمغة» بأعداد ضخمة. تفقد مصر قدراً هائلاً من المواهب في مجال التكنولوجيا والأعمال. يذهب أفضل المطورين إلى دبي أو ألمانيا أو أماكن أخرى، مما يضر بمصلحة الشركات الناشئة المحلية. ولكن مشكلة هجرة الأدمغة ليست قائمة في مصر فحسب، فقد أصبحت ظاهرة عالمية في وقتنا الحاضر.
وهذا لا يعني الانتقاص من أهمية السعي المحمود لتهيئة ظروف عمل أكثر جاذبية فيما يخص العائد المالي سواءٌ في النقود أو الأسهم، وغرس عقلية ريادية لمحاكاة ظروف العمل في البيئات الريادية التكنولوجية البارزة.
أهم سؤال: ماذا يخبئ المستقبل للاستثمارات في الشركات الناشئة في مصر؟
إذا ما استمر مسار الاستثمارات في الشركات الناشئة على نفس الطريق، ستشهد السنوات القليلة القادمة حصول مزيد من الشركات الناشئة على جولات من الفئة «ب» و«ج» و«د» وجولات لاحقة، حيث تسير عادةً دورة التمويل التقليدية للشركات الناشئة نحو التخارج، على الأرجح من خلال الاستحواذ أو الاكتتاب العام الأولي. بيد أن مصر لم تشهد أي صفقات تخارج ضخمة منذ الاستحواذ على «فوري Fawry» في عام 2015. في الواقع، على مدار العقد الماضي شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأكملها عدد قليل جداً من قصص النجاح لشركات استطاعت التخارج محققة مئات الملايين من الدولارات، مما جعل إسماعيل يعتقد أن هذا النموذج الأميركي لتمويل رؤوس الأموال المغامرة لا ينطبق في حقيقة الأمر على المنطقة.
يقول خالد إسماعيل: "ليس لدينا الصناعة التي يمكنها شراء الشركات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بينما تجد في الولايات المتحدة [عمالقة التكنولوجيا] يراقبون ظهور الشركات الواعدة للاستحواذ عليها.
علينا إيجاد مسار مختلف للتمويل يقدم على القليل من المخاطر ويؤدي دوراً أكثر حيوية في توجيه وإرشاد الشركات بالمقارنة مع المخاطر العالية والآمال المعقودة على تحقيق عائد مضاعف خلال خمس سنوات كما هو الحال في الولايات المتحدة الأميركية".
وإلا فسيكون هناك سبب يدعو للاعتقاد بأنه مع اتجاه النظام نحو النضج، فإن المزيد من عمالقة التكنولوجيا مثل «ياهو Yahoo» و«إنتل Intel» و «أمازون Amazon»، الذين قاموا بعمليات الاستحواذ في المنطقة في الماضي، سيدركون الفرص التي تقدمها المنطقة وسيحصلون عليها.