كيف تمنح شركات التكنولوجيا المالية الناشئة في إفريقيا السلطة للشعب
تخوض إفريقيا معركة مستمرة ضد نطاقها الجغرافي الهائل والاضطرابات السياسية وغياب البنية التحتية المناسبة، بشكل يخلق تحدّيات فريدة بينها التجارة العابرة للحدود وتطوير البنية التحتية للتكنولوجيا الحديثة وتوفير الخدمات المالية الأساسية لسكان المناطق النائية. وبالفعل ففي قارة تعيش في ظل ظروف هي الأقسى في العالم، تبدأ التكنولوجيا في منح المواطنين العاديين القدرة على التأثير.
منذ زمن بعيد وضعت الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية في إفريقيا عينها على الحلول المصرفية عبر المحمول لشرائح كبيرة من السكان الذين لا تصلهم الخدمات المصرفية. وتوقعت منظمة "فايننشل سكتور ديبنينغ" Financial Sector Deepening Africa في إفريقيا أن تضيف التكنولوجيا المالية 40 مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة إفريقيا جنوب الصحراء بحلول 2022 ومن الواضح أن الخدمات المصرفية عبر المحمول ستقود ذلك.
ولكن أي نقاش حول تاريخ التكنولوجيا المالية في إفريقيا لن يكون كاملاً من دون ذكر خدمة "إم بيزا" M-Pesa من شركة "سفاريكوم" Safaricom التي ربما تكون الأشهر والأكثر نجاحاً بين الحلول المصرفية عبر الموبايل في القارة. وتتيح هذه الخدمة للمستخدمين إيداع المال وسحبه وتحويله ودفع ثمن السلع والخدمات عبر الهاتف المحمول. وتُستخدم "إم بيزا" من قبل 88% من عملاء "سفاريكوم" البالغ عددهم 30 مليوناً حتى أنها أصبحت أساسية للاقتصاد الكيني حيث ألهمت العديد من الدول جنوب الصحراء لأن تحذو حذو كينيا.
وعالجت الحلول المصرفية في إفريقيا أيضاً المشاكل المالية الفريدة التي يواجهها السكان الذين ليس لديهم حسابات مصرفية أو الذين يفتقدون إلى خدمات مصرفية كافية. ففي بلد مثل زيمبابوي عانى من التداعيات المدمّرة للتضخّم المفرط، تثبت "إيكو كاش" Eco Cash أنها دعامة للمتعاملين في ظل غياب عملة محلية عملية. فقد أتاحت طريقة عملية لتحويل القيمة وإجراء عمليات الدفع ضمن زيمبابوي واليوم تخدم أكثر من 6.7 مليون شخص.
أبعد من المصرف
وبوجود أساس من المبادرات المصرفية الناجحة، لدى التكنولوجيا المالية الإفريقية الناشئة القدرة على إحداث ثورة في العديد من القطاعات بما يتجاوز الخدمات المصرفية، وفقاً لدوتون أولووبوروكو Dotun Olowoporoku، الشريك المعيّن لصندوق التمويل التأسيسي في لاغوس: "فنتشر بلاتفورم" Ventures Platform .
ويقول أولووبوروكو إن التكنولوجيا المالية لا تقتصر على الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول في أفريقيا. فمن الواضح لماذا يُنظر إلى القطاع المصرفي على أنه القطاع الرئيسي للتكنولوجيا المالية لأن "إم بيزا" كانت الطفلة الملحقة به. فهناك الكثير من الخدمات الأخرى التي يمكن تطبيقها في مجالات أبعد من الخدمات المصرفية عبر المحمول، مثل التأمين المصغّر".
ويعتقد ألكنسدر ألّيغي رئيس مجلس الإدارة والشريك المؤسس لـ"باوامي" Pawame، أن شركته الناشئة التي تتخذ من الإمارات مقراً لها والتي تعتبر من الشركات التي تحدث ثورة، تقع ضمن تلك الفئة. فـ"باوامي" توزّع وتموّل وتقدّم خدمات ما بعد البيع لأنظمة طاقة شمسية للمنازل في إفريقيا حيث تقدّم إمكانية للوصول إلى الطاقة والائتمان في الوقت نفسه وهي اليوم تؤمّن الكهرباء لأكثر من 30 ألف شخص في كينيا. وهي إذ تقوم على مبادئ التمويل المصغّر، تتيح دفع التكاليف العالية للطاقة الشمسية على أقساط وعبر المحمول. ويعتقد ألّيغي إن بعض مكامن الخلل في البنية التحتية في إفريقيا تنقلب رأساً على عقب.
ويقول: "تعتمد البنى التحتية في إفريقيا بشدة على الإنفاق الحكومي الذي غالباً ما يكون غير كافٍ وبطيء جداً ونادراً ما يحقق عائداً على الاستثمار. وقد حققنا قفزة كبيرة في قطاع الاتصالات، من بنى تحتية أرضية ضعيفة إلى طفرة هائلة وصولاً إلى أبراج اتصالات لاسلكية يقودها القطاع الخاص مباشرة. ونرى القفزة ذاتها في قطاع الطاقة، حيث تكافح شبكات النقل والتوزيع للوصول إلى المستهلكين المشتتين، مما يجعل الطاقة الشمسية الموزعة والتكنولوجيا المالية أكثر قابلية للتطبيق".
يعتقد جورج غوردون، مدير شركة "أفريكا ماستر بلوكتشن" Africa Master Blockchain التي من المقرر أن تطلق العملة الرقمية "أفري ـ يونيون كوين" AfriUnion Coin ـ وهي عبارة عن يورو رقمي لإفريقيا ـ في جنوب أفريقيا العام المقبل، أن القارة تحتاج إلى طرق تلغي بها التكنولوجيا المالية اللجوء إلى أطراف ثالثة باهظة الثمن. فهي بحسب غوردون "تقدّم ما أراده الاقتصاد الإفريقي لفترة طويلة ـ أي قوة شرائية أكبر ومزيد من الأموال التي لا يتم تحصيلها من خلال الرسوم أو غيرها من هذا الهراء. فعلى الرغم من أنه ينظر إلى التكنولوجيا المالية وسلسة البلوكات على أنهما تكنولوجيا متطورة للغاية يجب أن تطبّق فقط في بلدان العالم الأول، إلّا أن الواقع هو أنها تحقق تأثيراً أكبر في البلدان النامية".
ويعتقد غوردون أيضاً أن الشفافية التي تتسم بها هذه التقنيات يمكن أن تحقق لامركزية في السلطة السياسية والاقتصادية، وتمنح المستهلكين مزيداً من التأثير، مما يزيد من المساواة السياسية والمالية في هذه العملية. ويضيف: "توفر التكنولوجيا المالية الحرية التي لم تكن متاحة للجمهور. فهي تسحب السيطرة من المؤسسات القديمة التي كانت تحتكرها وتحتكر السيطرة الكاملة لعقود من الزمن، وتعطيها للناس وتمنحهم حرية الاختيار. وسوف تُجبر هذه المؤسسات على التكيّف والتغيير وفقاً للبيئة السائدة".
يوافق ألّيغي على أن التكنولوجيا المالية لديها القدرة على التأثير في الأنظمة السياسية، ويرى أنه سيكون لها تأثير أوسع على صناعة التكنولوجيا في إفريقيا.
ويقول إنّ ابتكارات التكنولوجيا المالية يمكن أن تحدث ثورة كاملة في نشر التقنيات في أفريقيا. فهذه القارة تتمتّع بأرضية خصبة لتطبيق التقنيات الجديدة بشكل أسهل من أسواق أخرى مثل أوروبا حيث تعتبر مقاومة التغيير في كثير من الأحيان عقبة. ومن الأمثلة الجيدة على ذلك اعتماد تقنيات سلسلة البلوكات في الانتخابات التي تغيب في معظم أنحاء العالم، ولكن تجري دراستها حالياً من قبل العديد من الدول في إفريقيا، بما في ذلك كينيا".
إمكانات عالمية
يعتبر التأثير المحتمل للتكنولوجيا المالية كبيراً في تعزيز التجارة المحلية والخارجية وزيادة الإنفاق الاستهلاكي. وبحسب غوردون، فإن تطوير المنصات التي تستغل عادات المستهلك في الدفع قد يحدث ثورة أيضاً. ويقول "تتيح التكنولوجيا المالية لكل بلد إفريقي إطلاق العنان التام للسيولة الهائلة لديه. وهذا يحدث بشكل رئيسي بين النظراء من خلال المال النقدي بما يتيح المزيد من القوة الشرائية للفرد بغض النظر عن موقعه الجغرافي ووجود حساب مصرفي لديه ومن دون القلق من الرسوم المرتفعة للمعاملات. وهي تفتح الطريق أيضاً أمام التجارة عبر الحدود بسهولة ويمكنها أن توحّد القارة بطريقة مماثلة للاتحاد الأوروبي. ولكن الأهم من ذلك أنها تسمح بتدفق الأموال عبر القارة على شكل استثمارات وتحويلات مالية من دون أن يغادر أي مال حقيقي البلاد.
ويعتقد أولووبوروكو أنّ أقوى الاقتصادات في أفريقيا قد نضجت بالفعل بفضل التكنولوجيا المالية، وأنّ مجموعة مختارة من الدول الأخرى لن تتأخر كثيراً عن الركب بفضل نقاط قوتها. ويقول إنّ "نيجيريا وكينيا وجنوب إفريقيا ورواندا من الدول التي تتبادر إلى الذهن عند الحديث عن امتلاك أكبر الإمكانيات لتحقيق استفادة قصوى من هذه التكنولوجيا. وفي غرب إفريقيا، ثمة بعض الدول التي لديها إمكانيات أيضاً ـ مثل غانا والسنغال وساحل العاج. فكل هذه البلدان لديها سكان يمكنهم دعم النمو، ولديهم موهبة تقديم الحلول، ولديهم جميعاً القدرة على وضع اللوائح التنظيمية المناسبة".