السباق الإقليمي لصنَّاع المحتوى
السباق الإقليمي لصنَّاع المحتوى
تريسكة حميد • 8 كانون الأول/ ديسمبر 2021
لم يؤدِ ظهور منصات التواصل الاجتماعي إلى تغيير قطاع الإعلان والتسويق فحسب، بل أدى أيضاً إلى تغيير قطاع الترفيه. وإلى جانب التكنولوجيا المالية والتجارة الإلكترونية، حثَّت وسائل التواصل الاجتماعي على تطوير "اقتصاد صناع المحتوى"، الذي يضم شركات أنشأها نحو 50 مليون من المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي والمُدونين ومنتجي مقاطع الفيديو والقائمين على تنظيم المحتوى. ويشير بحث من وكالة Influencer Marketing Factory إلى أن قيمة سوق صناع المحتوى، إلى جانب قطاع التسويق عبر المؤثرين، تبلغ 104.2 مليار دولار على مستوى العالم. وإمكانيات هذا القطاع، الذي يُعرف أيضاً باسم "الاقتصاد البرتقالي"، هي التي جعلت الأمم المتحدة تُطلق على عام 2021 "سنة الاقتصاد الإبداعي من أجل التنمية المستدامة".
وقد ظهر مزيد من صانعي المحتوى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ولا سيما منذ انتشار الجائحة، حيث تزايد الطلب على وسائل الترفيه والمحتوى أثناء فترات الإغلاق. ويشهد الاقتصاد الإبداعي في المنطقة تطوراً سريعاً، فقد تحوَّل من اقتصاد يهيمن عليه المؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي إلى مجموعة متنوعة من أشكال إنشاء المحتوى، وساعد على هذا التحول ظهور تطبيق تيك توك ومحتواه المتمثل في الفيديوهات القصيرة. ويُحيط بصانعي المحتوى اقتصاد رقمي دائم التطور تدعمه وسائل التواصل الاجتماعي ويضم أسواق المؤثرين مثل بوتيكات الكويت، والمنتجات التي يبيعها المؤثرون إلى المستهلك مباشرةً، فضلاً عن تطبيقات إهداءات المشاهير مثل Minly وStarzly.
ولعل هدى قطان، مؤسسة شركة هدى بيوتي الإماراتية لمستحضرات التجميل، خير مثال على صانع محتوى في الشرق الأوسط استطاع تحقيق دخل من منصته. فقد بدأت هدى قطان بمدونة وقناة على يوتيوب لدورات تعليمية ونصائح حول التجميل والمكياج، وذلك قبل إطلاق علامتها التجارية الخاصة بالتجميل التي اجتذبت استثماراً من شركة الأسهم الخاصة TSG Consumer Partners، التي قيَّمت شركة هدى بمبلغ 1.2 مليار دولار في عام 2017. وحالياً، تواصل شركة هدى بيوتي النمو، ولديها الآن ذراعها الاستثمارية واستوديو الشركات الناشئة الخاص بها، حيث تبني وتستثمر في شركات ناشئة جديدة في مجال الصحة والعافية والتجميل.
تقول مي سلامة، مؤسسة ملتقى صناعة الإبداع (C-S): "إذا استثمرنا في الاقتصاد الإبداعي من خلال تعزيزه، فيمكن أن يصبح مصدراً للأعمال التجارية. وإذا استثمرنا في رعاية العقول المبدعة، فيمكننا الاستفادة من الاقتصاد الإبداعي. لقد أظهر المجال الرقمي كيف يمكن تحقيق الدخل من هذا المجال وفتح أعين الجميع عليه". وكانت المسارات الثلاثة والعشرون لملتقى صناعة الإبداع قد ركزت على موضوعات تشمل المؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعي، والرياضات والألعاب الإلكترونية وتطور البيئة الحاضنة للشركات الناشئة في المنطقة.
وذكرت مي سلامة، التي قررت إطلاق ملتقى صناعة الإبداع لجمع شمل القطاع الإبداعي ولمناقشة أثر التكنولوجيا على هذا القطاع، أن الملتقى نفسه أُنشئ في عام 2014 في وقت "لم تكن توجد فيه فعاليات أو منصات توفر للسوق الإبداعية إمكانية التواصل أو اكتساب الخبرات أو التعلم".
وأضافت: "لم يكن أحد يعرف كيفية استخدام التكنولوجيا، وكان ما يحدث هو مجرد نسخ الإعلان من التلفزيون ونشره على فيسبوك، وحتى الآن لا ندرك الحجم الكامل للعالم الرقمي. وإذا ظننا أننا ندركه، فإننا نكتشف كل يوم المزيد ونواجه المزيد من التحديات".
انتشار مقاطع الفيديو
لقد أصبحت الهواتف الذكية أكثر تطوراً وانتشاراً، فارتفعت معدلات انتشار الاتصال بالإنترنت عبر الهواتف المحمولة وتحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى منصات لإنشاء المحتوى، وانتهت الطرق التقليدية لإنتاج المحتوى وتوزيعه. وأطلقت شركة Peace Cake المصرية منصتها الخاصة بإنشاء المحتوى الإلكتروني منذ خمس سنوات، ويتابعها الآن مليون مشترك على يوتيوب ومليون مشترك على فيسبوك. ويُنتج فريق الشركة عروضه الخاصة، مثل "رومانسية منسية" و"امسك نفسك"، على منصات التواصل الاجتماعي، وتتراوح مدة كل فيديو من 8 دقائق إلى 15 دقيقة، ويتحقق الدخل بشكل أساسي من الإعلانات ورعاية الشركات. وتنتج الشركة أيضاً برنامج "شاف ما شاف" مع نتفليكس، وقد أبرمت الشركة هذه الشراكة مع عملاق البث لإنتاج مقاطع فيديوهات على يوتيوب تستند إلى المسلسلات والأفلام التي تُعرض على نتفليكس.
ويقول أحمد يوسف، الشريك المؤسس والمدير التجاري لشركة Peace Cake: "نعتقد أن المحتوى المصور هو المستقبل، فالناس في هذه الأيام، عندما يتصفحون فيسبوك ويوتيوب، يقضون وقتاً طويلاً في مشاهدة المحتوى، لكن الشركات في الوقت نفسه لا تقدم لهم محتوى كافياً. وتعتمد شركتنا على إنتاج محتوى مصور ونستخدم منصتنا الاجتماعية الخاصة للتجربة ومعرفة الأفضل".
وتنتج شركة Peace Cake المحتوى كله باللغة العربية، وهو قرار اتخذه الفريق عن وعي لأنهم رأوا أنهم ما كانوا ليحققوا القدر نفسه من النجاح إذا ركزوا على السوق الناطقة باللغة الإنجليزية. كما يوجد نقص في المحتوى العربي، إذ تشير التقديرات إلى أنه يمثل نحو 5% فقط من كل المحتوى المنشور على الإنترنت.
وتقول مي سلامة: "عندما يتعلق الأمر بإعداد المحتوى أو ابتكار أفكار تجارية جديدة مثل تكنولوجيا السينما، تظهر مجالات جديدة من الأعمال التجارية ناتجة عن الاحتياج الإبداعي".
وعادة ما تتبع ثقافة الإنترنت قاعدة الواحد في المائة، أيْ أن 1% فقط من مستخدمي الإنترنت ينشئون المحتوى بانتظام، ويسهم 9% في إنشاء محتوى ولكن بمقدار ضئيل، بينما يقتصر دور التسعين في المائة المتبقية على مشاهدة المحتوى وتلقيه. وتؤدي هذه القاعدة إلى تحويل ميزان القوة نحو الذين يصنعون المحتوى بانتظام، وتتعرض شركات وسائل التواصل الاجتماعي إلى ضغط متزايد لجذبهم إلى منصاتها.
فأنشأت شركة تيك توك صندوقاً بقيمة ملياري دولار العام الماضي "لدعم صانعي المحتوى الطموحين الذين يبحثون عن فرص لكسب الرزق من خلال المحتوى المبتكر الذي يقدمونه". وأصبح صانعو المحتوى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مؤهلين الآن للاستفادة من صندوق عالمي بقيمة 100 مليون دولار خصصته يوتيوب لمقاطع الفيديو القصيرة، وتتشابه هذه المقاطع القصيرة مع المقاطع التي تُعرض على تيك توك. وفي الوقت نفسه، أعلن فيسبوك عن برنامج بقيمة مليار دولار لدفع أرباح صانعي المحتوى على فيسبوك وإنستجرام حتى عام 2022.
وأعلنت الشركة في بيان لها أن: "هذا الاستثمار سيشمل برامج مكافآت جديدة تدفع أرباح لصناع المحتوى المؤهلين مقابل تحقيقهم إنجازات معينة عند استخدامهم أدواتنا الإبداعية التي تساعد على تحقيق مكاسب مالية. وسنوفر أيضاً تمويلاً أولياً لصانعي المحتوى لينتجوا المحتوى الخاص بهم. فهدفنا هو مساعدة أكبر عدد ممكن من صانعي المحتوى على تحقيق نجاح مستدام وطويل الأمد على تطبيقاتنا".
أما خاصية سبوت لايت التي أطلقها تطبيق سناب شات، وهي خاصية أخرى لإنشاء فيديوهات قصيرة على غرار تيك توك، فتمنح "مليون في اليوم" لصانعي المحتوى بناءً على التفاعل مع المحتوى الذي يقدمونه.
وترى مي سلامة أن الأمر قد أصبح سباقاً لكل من المنصات وصانعي المحتوى. ويبدو في الوقت الحالي أن تيك توك هو الفائز بهذا السباق، حيث قيَّمه 30% من صانعي المحتوى على أنه المنصة المفضلة لديهم، ويليه إنستجرام ويوتيوب، وكلاهما بنسبة 22%. وهذه المنصات الثلاث أيضاً هي التي يحقق فيها صانعو المحتوى أكبر قدر من الأرباح: فنسبة الأرباح على تيك توك تبلغ 24%، وعلى إنستجرام 22%، وعلى يوتيوب 20%. ويظل المصدر الرئيسي للدخل هو صفقات العلامات التجارية (31%)، تليها العلامة التجارية أو الأعمال التجارية الخاصة بصانع المحتوى (25%)، ثم الأموال التي يحققها صانع المحتوى (15%).
وتقول مي سلامة: "يُعد [الاقتصاد الإبداعي] شكلاً من أشكال التمكين، فهو شكل من أشكال مساعدة البلدان على التطور والتقدم، وهو سوق غير مستغلَّة، لكن لها وزن كبير، حيث يمكن للبلدان أن تتقدم اقتصادياً إذا ركزت عليه. فقد مكَّن الأصوات الإقليمية من الوصول إلى شتى أنحاء العالم، وسمح لإبداعنا بأن يقطع أميالاً طويلة".