هل ينجح رواد الأعمال العرب في الاستفادة من الكنوز الإفريقية الدفينة؟
صحراء جرداء.. غابات مفتوحة.. خدمات بسيطة.. بنية تحتية متهالكة.. للأسف تلك الصورة التي تتناقلها باستمرار بعض وسائل الإعلام الغربية عن قارة إفريقيا، بالرغم من أنها تحتوي على ثروات معدنية وموارد طبيعية ومواد خام أولية تعتبر المحرك الرئيسي للاقتصاد العالمي، حتى أنه وصلت التدفقات الاستثمارية إلى إفريقيا لمستوى قياسي بلغ 83 مليار دولار في عام 2021، وبدأنا خلال السنوات الأخيرة نرى تدفق واسع للاستثمارات العربية وبصفة خاصة الخليجية للقارة السمراء، مدفوعة بتحركات إماراتية وسعودية للشراكات الاستراتيجية وتنمية العلاقات الاقتصادية مع تلك القارة البالغة الأهمية لحركة التجارة الدولية، والتي يُمكن أن نطلق عليها "الكنز الدفين"، ومن منطلق أن رواد الأعمال هم دائماً في طليعة المكتشفين للفرص الاستثمارية، فقد رأينا مؤخراً عدد من الشركات الخليجية الناشئة تبدأ في التوسع للسوق الإفريقي مثل شركة Nimai Capital الاستشارية للخدمات المصرفية الاستثمارية الإماراتية، والتي أطلقت صندوق بقيمة 150 مليون دولار بالشراكة مع Victoria Bank Commercial في كينيا للاستثمار في الخدمات المالية بالقارة، بالمثل تحاول عدد من الشركات الإفريقية دخول السوق الخليجي للاستفادة من موارده المالية المتعددة وتقنياته المتطورة، وربما يكون أبرز مثال على ذلك هو قيام "هيليوم هيلث"، التي تتخذ من نيجيريا مقراً لها بالاستحواذ على شركة "ميدي" القطرية، وهو ربما يشير لبداية دخول الخليج كمنافس استثماري قوي للتنين الصيني والمارد الأمريكي والمستثمر الأوروبي في إفريقيا، بالتزامن مع زيادة ملحوظة لنشاط الشركات الناشئة بين شمال وجنوب القارة السمراء، وهو ما قد يوحي بأنه قد حان وقت تدفق الاستثمارات العربية للقارة الإفريقية.
ثروات هائلة
قبل ان نتحدث عن الاستثمارات الخليجية في إفريقيا، ينبغي أن نتعرف على الثروات الخفية التي تمتلكها القارة السمراء وتضعها على رأس أغنى قارات العالم، وأكثرها تميزاً بالثروات والموارد الطبيعية. -التي للأسف لم تُستغل بعد الاستغلال الأمثل-
أوضح "برنامج الأمم المتحدة للبيئة" أنه تعد إفريقيا هي المُوطن لحوالي 30% من احتياطيات المعادن في العالم، و 8% من الغاز الطبيعي العالمي، و12% من احتياطيات النفط، كما تمتلك القارة 40% من الذهب، وما يصل إلى 90% من الكروم والبلاتين، كذلك توجد أكبر احتياطيات من الكوبالت والماس والبلاتين واليورانيوم في العالم في إفريقيا، فضلا عن أنها تمتلك 65% من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، و10% من مصدر المياه العذبة المتجددة الداخلية على كوكب الأرض، كما أنه في معظم البلدان الأفريقية، يمثل رأس المال الطبيعي ما بين 30% و 50% من إجمالي الثروة، مما يفتح الباب أمام رواد الأعمال الخليجيين للدخول في ذلك السوق الذهبي واغتنام الفرص المفتوحة الواسعة للاستفادة من تلك الثروات الطبيعية الهائلة من خلال مشاريع متنوعة في مجالات الطاقة والغذاء والتكنولوجيا الزراعية، وأيضاً التقنية المالية. ولا نغفل أن هناك ما يقدر بحوالي 195 مليار دولار تخسرهم القارة سنويًا من رأس مالها الطبيعي من خلال التدفقات المالية غير المشروعة، التعدين غير القانوني، قطع الأشجار غير المشروع، الاتجار غير القانوني في الأحياء البرية، الصيد غير المنظم، والتدهور البيئي، والتي يمكن لأصحاب الشركات الناشئة الإسراع ببناء عدة مشاريع تستقطب تلك الأموال وتستثمرها بدلاً من هدرها.
فرص أمام رواد الأعمال
تتعدد الفرص الريادية التي تنتظر رواد الأعمال العرب في إفريقيا جنوب الصحراء، ويمكن رؤية ذلك بوضوح من خلال تقرير النظام البيئي العالمي للشركات الناشئة لعام 2023(GSER 2023)، والذي نقلته قناة العربية، السعودية، والذي أظهر سطوع نجم العاصمة الكينية "نيروبي" كمركز رائد للابتكار التكنولوجي في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث يمثل نظام التكنولوجيا المالية في المدينة حوالي 41% من إجمالي صفقات رأسمال المخاطر في مجال التكنولوجيا خلال الفترة من 2018 إلى 2022 في إفريقيا جنوب الصحراء، لترتفع قيمة النظام الإيكولوجي للشركات الناشئة في "نيروبي" بنحو 281% خلال الفترة من يوليو 2019، وحتى ديسمبر 2022، لتعزز مكانتها كأفضل وجهة في القارة أمام رواد الأعمال.
من جانبه قال "حسن فايد"، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة أيدي، المصرية، للتكنولوجيا الزراعية: "لقد بدأنا في اوائل العام الحالي في إطلاق أنشطتنا في جنوب إفريقيا، نظراً لحجم الرقعة الزراعية وارتفاع تكلفة الإنتاج هناك، بالإضافة إلى التوجه نحو الحد من إهدار الموارد".
أضاف: "تمثل إفريقيا فرصة كبيرة للشركات الناشئة فهناك حاجة للتكنولوجيا الحديثة لرفع كفاءة الانشطة الاقتصادية بكافة أنواعها، حيث تمتلك القارة السمراء ثروة بشرية هائلة، وهناك توجه لمواكبة الحداثة وريادتها في بعض المجالات، حيث أن بعض دول القارة قد أصبحت رائدة في استخدام التكنولوجيا المالية بصورة تفوق الدول الغربية، وذلك مؤشر لإمكانية استيعاب التكنولوجيا بسرعة فائقة وترجمتها لعوائد مجزية للمستثمرين".
يشير تقرير النظام البيئي العالمي للشركات الناشئة لعام 2023، أنه قد شهدت مدينة "لاجوس"، النيجيرية، أكبر صفقة في إفريقيا جنوب الصحراء بجولة تمويل شركة "OPay" من السلسلة C بقيمة 400 مليون دولار في أغسطس 2021. كما جمعت شركة "Flutterwave"، وهي شركة أخرى للتكنولوجيا المالية تأسست في لاجوس، 250 مليون دولار في جولة من السلسلة D في فبراير 2022، مما دفع تقييمها إلى أكثر من 3 مليارات دولار.
كما انضمت مدينة "كيب تاون"، الجنوب إفريقية إلى أفضل 100 نظام بيئي ناشئ، وشهدت المدينة زيادة بنسبة 23% في قيمة النظام البيئي، ونمواً بنسبة 26% في الصفقات المبكرة، فضلاً عن النهضة الريادية التي شهدتها مدينة "جوهانسبرج"، التي توفر الدعم والموارد اللازمة للشركات الناشئة الحصول على التمويل المناسب لتتمكن من النمو والتوسع.
الاستثمارات الخليجية في إفريقيا
عقب جائحة COVID-19، ظهرت علامات على حدوث تحول في العلاقات الخليجية الإفريقية، والتي تشير إلى توسيع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية المتبادلة والشراكات الناشئة التي ستفيد كل من منطقة الخليج وأفريقيا جنوب الصحراء خلال المستقبل، حيث أشار معهد Brookings في تقرير له حمل عنوان "تعميق الارتباط الخليجي مع إفريقيا جنوب الصحراء"، نشر في فبراير 2022، أنه قد تأثرت دول الخليج بتبعات "كورونا"، التي تسببت في انخفاض أسعار النفط إلى مستويات تاريخية وحدوث اضطرابات في سلاسل التوريد العالمية، ونتيجة لذلك برز التنوع الاقتصادي والأمن الغذائي كأولويات لسياسة دول مجلس التعاون الخليجي، والتي يُمكن أن تكون بمثابة أدوات لتعميق العلاقات الاقتصادية مع إفريقيا، وزيادة فرص التعاون في الزراعة والأعمال التجارية الغذائية.
يقول شهاب مختار الرئيس التنفيذي والشريك المؤسس لـ NOMU، التي تتخذ من السعودية مقراً لها، وتعمل كمنصة تقنية في مجال سلاسل إمدادات الغذاء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "نعمل بالفعل في عدد من الدول الإفريقية مثل مصر وتونس والمغرب ولكننا نخطط للتوسع بالدول الإفريقية جنوب الصحراء، حيث هناك آفاق استثمارية في القارة السمراء، لأن الطبقة الوسطى في القارة تتطور، جالبة معها توقعات جديدة وتحولاً في أنماط الإنفاق، فبحلول عام 2025، سيستخدم 475 مليون فرد في إفريقيا جنوب الصحراء الإنترنت عبر الهاتف المحمول، - وذلك بحسب توقع GSMA (النظام العالمي لاتصالات الهاتف المحمول) - وبالتالي، فإنها تقدم لنا فرصة رائعة لتنمية أعمالنا".
أصبحت إفريقيا شريكاً حيوياً بشكل متزايد لدول الخليج، وذلك بفضل موقعها الاستراتيجي كحلقة وصل بين آسيا وأفريقيا، يشير موقع African Business في تقريره "حكومات دول مجلس التعاون الخليجي تحفز الاستثمار في أفريقيا"، إلى أنه تعتبر الإمارات ثاني أكبر دولة مستثمرة في إفريقيا، حيث كان صندوق أبوظبي للتنمية (ADFD) في طليعة تلك الاستثمارات، حيث قام بتمويل أكثر من 66 مشروعًا في 28 دولة أفريقية بقيمة 16.6 مليار دولار، فضلاً عن إنه في موزمبيق، استثمرت الإمارات حتى الآن 3.3 مليار دولار في 52 مشروعاً في الزراعة والتعليم وقطاعات أخرى، وبلغ إجمالي التجارة بين البلدين 25 مليون دولار في عام 2018.
تعمل 33 شركة إماراتية حالياً في الدولة الواقعة في جنوب شرق إفريقيا، مقابل سبع شركات موزمبيقية في الإمارات، كما أبرمت الدولتان اتفاقيات حول التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات وتجنب الازدواج الضريبي على الدخل والتهرب الضريبي، كما أجرت حكومتا الإمارات ونيجيريا حاليًا محادثات لإنشاء منطقة تجارية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الدولة الواقعة في غرب إفريقيا.
أضاف "شهاب": "يبلغ عدد سكان إفريقيا أكثر من مليار نسمة والزيادة المتوقعة إلى 2.2 مليار بحلول عام 2050، ونحن ننظر إلى أفريقيا كسوق هائل للاستثمارات وتقديم مجموعة متنوعة من الحلول الرقمية، حيث هناك الكثير من الإمكانات غير المستغلة في بعض الأجزاء من إفريقيا، كما هناك فرص عديدة لتنفيذ رؤيتنا للثورة الرقمية في صناعة الأغذية والمشروبات بالإضافة إلى التوسع وكسب المال".
وكان قد أوضح تقرير نقله Global Business Forum، حمل عنوان "الإمارات تقود استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي في أفريقيا جنوب الصحراء على مدى السنوات الخمس الماضية"، أنه قد استحوذت الإمارات على 88٪ من الاستثمار من دول مجلس التعاون الخليجي إلى جنوب الصحراء الأفريقية بين يناير 2016 ويوليو 2021 ، أو 1.2 مليار دولار، حيث يجتذب قطاع الاقتصاد الرقمي استثمارات إماراتية متنامية وغير مسبوقة، لا سيما في مجال التكنولوجيا المالية، كما زادت من تمويل شركات التكنولوجيا المالية في إفريقيا إلى أكثر من 330 مليون دولار في النصف الأول من عام 2021، ارتفاعًا من 107 ملايين دولار في عام 2019.
كشف التقرير أن 35٪ من المديرين التنفيذيين في إفريقيا يستخدمون منصات الإنترنت في معاملاتهم، مما يخلق فرصة مثالية لرواد الأعمال في إفريقيا للاستفادة من تجربة الإمارات في هذا الصدد.
ليعود African Business ويوضح في تقريره أنه تهدف السعودية، مثل الإمارات إلى أن تصبح قوة استثمارية عالمية، وقد أدت هذه الخطة الطموحة إلى دفع المزيد من استثماراتها نحو إفريقيا، لذلك لا نتعجب عندما نعلم أنه تُعد السعودية الآن خامس أكبر دولة مستثمرة في إفريقيا، حيث تبلغ استثماراتها ما يقرب من 4 مليارات دولار في جميع أنحاء القارة، لتركز الاستثمارات السعودية الأخيرة في إفريقيا على الزراعة والمياه والطاقة والإسكان.
وفقًا لتصريحات صحفية للدكتور "بندر حجار"، رئيس البنك الإسلامي للتنمية (IDB)، فإن هذه المشاريع ستقطع شوطًا طويلاً في مواجهة تحديات التنمية في البلدان الأعضاء فيها وستوفر بيئة مواتية لنمو القطاعين العام والخاص. يقع المقر الرئيسي للبنك الإسلامي للتنمية في جدة ، وقد تعهد بتمويل توسيع البنية التحتية للكهرباء في الغابون، وقام بتسهيل صفقات تمويل بقيمة 805 ملايين دولار في بلدان مثل بوركينا فاسو والسنغال ومالي.
من جهتها أشارت "ماريا إيفانوفا"، أحد مؤسسي Gingo Partners، والتي تخصصت في العمل مع شركات تقنية ناشئة سريعة النمو وVCs في الشرق الأوسط وأفريقيا على مدار السنوات السبع الماضية، إلى أنها بالفعل تعمل مع عدة رؤوس أموال من جنوب إفريقيا، لأنهم يتمتعون بالشغف التأثير الاجتماعي.
استكملت "ماريا" حديثها قائلة: "نحن نبحث حالياً عن شركاء لمساعدتنا في العثور على الشركات الإفريقية الناشئة التي تبحث عن الاستثمار للتوسع عالمياً، يوجد في القارة الإفريقية رواد أعمال موهوبون يتمتعون بمهارات ريادية قوية، كما تعد إفريقيا مصدراً كبيراً لرأس المال البشري، وأعتقد أن العديد من المتخصصين الموهوبين في تكنولوجيا المعلومات يمكنهم القدوم إلى دول الخليج من إفريقيا وإطلاق مشاريعهم هنا، فضلاً عن أنه تعد إفريقيا سوقاً واعدة للغاية للاستثمارات التقنية، لتنمو صناعة رأس المال الاستثماري هناك بينما نرى التراجع على مستوى العالم".
وصلت الاستثمارات الأجنبية المباشرة من دول مجلس التعاون الخليجي إلى إفريقيا في الفترة من 2012 حتى 2022 استثمارات بقيمة 101.9 مليار دولار، موزعة على 628 مشروعاً، بينما بلغ الاستثمار الأفريقي في دول مجلس التعاون الخليجي خلال نفس الفترة 3 مليارات دولار في 141 مشروعً، ليؤكد موقع مؤسسة IOL أنه قد ساعد هذا الاستثمار في دفع أجندة التنمية لأفريقيا، وخلق فرص العمل، وتحسين البنية التحتية، وتعزيز النشاط الاقتصادي في 28 دولة، مما أثر بعمق على المشهد في القارة، علاوة على ذلك، تعد الإمارات من بين أكبر عشرة مستوردين للسلع والسلع من عشر دول أفريقية، مما يوضح العلاقات التجارية الثنائية المتنامية بين الجانبين.
الاستثمارات الإفريقية في الخليج
على الجانب الآخر عندما تتوسع العلاقات الاقتصادية بين طرفين، يصبح هناك منافع ومصالح مشتركة، وهو ما يدفع الشركات ورواد الأعمال في كلا البلدين بالتحرك نحو اقامة شراكات وفتح مكاتب متبادلة في كلا الاتجاهين، لذلك لن نتعجب عندما نعرف أنه قد حرصت عدد من الشركات الإفريقية أيضاً على القيام بأعمال تجارية في الإمارات، كنتيجة مباشرة للاستثمارت الخليجية في القارة السمراء، حيث وصل عدد الشركات الإفريقية المسجلة لدى غرفة تجارة وصناعة دبي، إلى أكثر من 1200 شركة ويستخدم الكثير منها دبي كقاعدة لجذب الاستثمار إلى بلدانهم.
يقول "إرنست كيماثي"، رائد الأعمال الكيني، ومؤسس شركة J-Wear، التي تتخذ من كينيا مقراً لها: "نستعد خلال المرحلة المقبلة لإطلاق منتجاتنا في دول الخليج، حيث تتمتع تلك المنطقة بالنمو الاقتصادي وإمكانيات السوق، والابتكار وريادة الأعمال، وتكنولوجيا الهاتف المحمول والوصول الرقمي، والنظام المهني الداعم، فضلاً عن الموارد المالية، وتنويع مصادر الاستثمار".
ربما يعتبر استحواذ هيليوم هيلث التي تتخذ من نيجيريا مقراً لها على شركة ميدي القطرية، من أبرز الأمثلة على ذلك الأمر، ليصف الرئيس التنفيذي لشركة Helium Health Adegoke Olubusi -خلال تصريحات صحفية نُشرت من قبل- صفقة الاستحواذ بأنها "صفقة كبيرة"، غير معتاد التداخل مع منطقتين نادراً ما يحدث ذلك في مجال التكنولوجيا، وهما إفريقيا ومجلس التعاون الخليجي.
فمع وجودها في ستة بلدان إفريقية - نيجيريا وغانا والسنغال وليبيريا وكينيا وأوغندا - وقعت شركة Helium Health أكثر من 500 منشأة للرعاية الصحية، وأكثر من 7000 من المتخصصين الطبيين في هذه المرافق يقدمون الرعاية لأكثر من 300000 مريض شهرياً، ليكون الأمر بمثابة انطلاقة واسعة لخدماتها الصحية في السوق الخليجي.
تحديات
على الرغم من الفرص الواسعة التي تملأ السوق الإفريقي، والتي ربما تكون عامل مُشجع لرواد الأعمال والشركات لناشئة لتوسيع استثماراتهم بالقارة السمراء، إلا أنه هناك عدداً من العقبات التي تقف أمام ذلك، وقد تعرقل تلك الفرص المهولة وتحد من نموها، ألقى Global Business Forum، الضوء على حاجة إفريقيا إلى توفير الخطوات الأساسيات التي تجذب وتشجع الاستثمارات، بما في ذلك التشريعات واللوائح والبنية التحتية لتعزيز النمو في القطاعات الرئيسية، كبناء هيكل أعمال جديد يضمن الأساسيات الاقتصادية للأسواق الإفريقية، واعتماد تشريعات لتنظيم القطاعات الاقتصادية وتوجيه الاقتصاد نحو تحقيق أهداف استراتيجية مستدامة، وتوفير البنية التحتية اللازمة لنمو الأعمال والازدهار، والقضاء على البيروقراطية أالتي تُعتبر أكبر عائق أمام النمو، فضلاً عن الافتقار إلى المرافق العامة، والطرق غير الملائمة التي لا تستطيع ربط الموردين والمصنعين بمراكز البيع بالتجزئة، والبنية التحتية الرقمية الضعيفة.
تعتبر "سوزان أدونجو"، رائدة الأعمال الكينية، أن الوصول المحدود إلى رأس المال، التعقيدات التنظيمية، عدم كفاية البنية التحتية، الاختلافات الثقافية، التحديات التنظيمية، عدم الاستقرار السياسي في بعض المناطق، وديناميكيات السوق المختلفة من أبرز المعوقات التي من المُمكن أن تواجه الشركات الناشئة الخليجية في إفريقيا، ولكنها في نفس الوقت ترى أنه يمكن لوجود الاستثمارات الخليجية في إفريقيا أن يجلب العديد من الفرص، بما في ذلك تطوير البنية التحتية، نقل التكنولوجيا، وخلق فرص العمل، وتعزيز النمو الاقتصادي. ومع ذلك تقدم إفريقيا فرصًا استثمارية متنوعة، بما في ذلك قطاعات مثل التقنيات الحديثة في مجالات الزراعة، تطوير البنية التحتية، الرعاية الصحية، السياحة، والموارد الطبيعية، حيث يُمكن للمستثمرين الخليجيين استكشاف هذه القطاعات بناء على خبراتهم واهتماماتهم والاحتياجات المحددة للأسواق الإفريقية.
يتفق معها "شهاب" ويشير إلى أن الفساد، عدم كفاية البنية التحتية، عدم استقرار الحكومة، إنعدام الأمن، والتضخم يعتبرون من أبرز النقاط التي ربما تحد من تطور الاستثمارات في القارة الإفريقية.
الشمال والجنوب الإفريقي
لم تقتصر العلاقات الاقتصادية العربية الإفريقية على منطقة الخليج فقط بل تعدت لتخلق روابط بين الشركات الناشئة ورواد الأعمال في شمال وجنوب القارة السمراء، حيث يظهر ذلك خلال إعلان شركةVerod-Kepple Africa Ventures (VKAV) ، وهي شركة استثمارية مقرها نيجيريا، عن خططها لاستثمار 1.5 مليون دولار في شركة "شاري Chari" المغربية، للتجارة الإلكترونية، كما استحوذت "شاري" في يونيو 2022، على تطبيق "دياجو" للبيع بالتجزئة في ساحل العاج، كما استحوذت شركة Autochek ، النيجيرية لتكنولوجيا السيارات التي تجعل ملكية السيارات في متناول الجميع وبأسعار معقولة في جميع أنحاء إفريقيا، على حصة أغلبية فيAutoTager ، المصرية لتكنولوجيا السيارات.
يستكمل "حسن" حديثه قائلاً: "توجه بعض رأس المال المغامر للاستثمار في افريقيا مُبشر جداً، وإن كان متأخراً نسبياً، وضئيل في بعض الأحيان، حيث أن هناك استثمارات جيدة من خلال صناديق متخصصة... ولكنها ليست بالقادر الكافي الذي يحقق تطلعات رواد الأعمال في القارة والذين يعانون من نقص التمويل، وهناك عدد من التحديات التي تواجه رواد الأعمال بالقارة السمراء مثل تهالك أو إنعدام البنية التحتية اللازمة في بعض المناطق، وتدني مستويات التعليم التقني والفني، إلا أن ذلك لا يمنع أن هناك عدد من الفرص تكمن في ان بعض القطاعات الحيوية مازالت متأخرة في تطبيق التكنولوجيا، بالإضافة للتعداد البشري الهائل الذي يتطلع إلى فرص نمو وعمل أفضل".
تبادلت الصفقات الريادية بين الشمال والجنوب بشكل قد يوحي بقرب تنمية العلاقات الاقتصادية بين شطري القارة وتوسعها بشكل أكبر مما كانت عليه، حيث افتتحت شركة Acasia Ventures، ذراع الاستثمار في رأس المال الاستثماري لمجموعة Acasia Group ، أبواب مكتبها الجديد في مدينة "لاجوس"، النيجيرية، في محاولة لتوسيع نطاقها عبر القارة الأفريقية، بالإضافة إلى ذلك استثمرت شركة Acasia Ventures في 13 شركة ناشئة، 12 منها في إفريقيا، ولا ننسى انضمام "أكاسيا فنتشرز" إلى جولة استثمارية بقيمة مليون دولار في منصة تسليم الميل الأخير "مدينة فاس ديليفري"، ومقرها مدينة "لاجوس"، النيجيرية.
وكانت "ومضة" قد نقلت عن "بيولا العلبي، الشريك العام لشركة أكاسيا فنتشرز، تصريحاته التي قال فيها: "كما رأينا في الأزمات الاقتصادية السابقة، هذه هي الأوقات التي يتم فيها بناء الشركات التي ستشكل المستقبل للأفضل، والاستثمار في تلك الشركات اليوم هو الطريقة التي نخطط بها للمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لأفريقيا".
إفريقيا بالفعل كنز ثمين ولكنه مختبيء خلف ستار، ربما تعمدت بعض القوى الكبرى إخفائه وتسخيره للاستفادة منه وحدهم أو ربما قد يكون تركيز رواد الأعمال الخليجيين قد انصب على مناطق استثمارية أخرى غير القارة الإفريقية لمدد طويلة... ولكنه أعتقد قد آن الأوان لتبدأ دول مجلس التعاون الخليجي وضع مُخطط منظم جماعي يشجع رواد أعمالهم ويحفز شركاتهم الناشئة على القدوم للقارة السمراء والاستفادة من مواردها الطبيعية الهائلة، وابتكار برامج استثمارية تُفيد القارة السمراء، وتعود في نفس الوقت بالفائدة على السوق الخليجي، الذي يتطلع لتنمية قدراته الغذائية وتوسيع موارده الطبيعية وتنويع مصادره الاستثمارية، الغريب في الأمر إنه في نفس الوقت الذي يتصارع فيه العالم على الحصول على المواد الخام ومصادر الطاقة، نجد أنه لم يتم الاستفادة من كنز ممتلىء بالموارد الطبيعية الواسعة، والفرص الاستثمارية التي من الممكن أن تُغير خريطة الاستثمارات في منطقة الخليج وتفتح أمامها فرص استثمارية واعدة.