دروس عليك التعلم منها قبل إطلاق شركة لوجستية عالمية
بقلم آلان كوجلان، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة لانسيل جلوبال الرائدة عالمياً في مجال حلول سلاسل التوريد
تعرّض قطاع الخدمات اللوجستية لاضطراباتٍ عديدة على مستوى العالم خلال السنوات الأخيرة، فقد تراجعت أعماله إثر جائحة كوفيد-19، ثم عاد ليشهد بعدها نمواً استثنائياً بوتيرةٍ غير مسبوقة، فضلاً عن تأثره بتقلّبات أسعار الفائدة في جميع أنحاء العالم.
وما يزال القطاع مستمراً في نموه برغم جميع هذه التحديات، وأرى أنه يحمل مجالاً واسعاً للابتكار والتميّز. ولذلك تقدم الفترة الحالية فرصةً ذهبية لرواد الأعمال الراغبين بتأسيس شركاتٍ للخدمات اللوجستية، لا سيما أن هنالك العديد من الدروس المستفادة التي يمكنهم الاعتماد عليها للتوسع عالمياً في ضوء المشهد الاقتصادي الراهن. وأضع بين أيديكم أبرز هذه الدروس والجوانب.
تأسيس شركة ناشئة من نقطة الصفر
تبلغ قيمة قطاع الخدمات اللوجستية حالياً نحو 9.41 تريليون دولار، مما يجعله للوهلة الأولى مجالاً مخيفاً يصعب دخوله، غير أنه يمكن بسهولة تأسيس شركة ناشئة في هذا القطاع بالاعتماد على شاحنة واحدة وبعض المدخرات المالية، دون أي حاجة لجمع الاستثمارات. ومع نمو الطلب، يمكن توسيع العمليات وزيادة الأصول واستقطاب الاستثمارات.
ولا تمر مرحلةٌ يخلو فيها قطاع الخدمات اللوجستية من فرص النمو؛ فعلى سبيل المثال، يمكن تأسيس مشروع متخصص في التخزين وإدارة المستودعات، ومن ثم توسيعه ليشمل مراكز التوزيع وشحن البضائع، إلى جانب توريد المنتجات وتوزيعها. بالعودة إلى تجربتي الخاصة، لم تكن لانسيل جلوبال شركة خدمات لوجستية عندما أسستها عام 2015، بل تمحورت حول توريد البضائع من الصين إلى تجار التجزئة عبر الإنترنت، وقد اعتمدتُ في ذلك على مدخراتي الخاصة. واليوم أصبحت الشركة متخصصةً بالخدمات اللوجستية والتخزين والتوزيع على المستوى الدولي، باعتبار أن هذه القطاعات تشكل جزءاً أساسياً من سلسلة توريد التجارة الإلكترونية التي نركز عليها.
وقد استند قراري في تأسيس الشركة إلى التطورات المتسارعة التي رأيتها في المصانع الصينية، مترافقةً مع نمو التسوق عبر الإنترنت والطلب المتزايد على منصات التجارة الإلكترونية. وأدركت أن قطاع الخدمات اللوجستية يتطور بوتيرةٍ سريعة، وقد يكون غير متوقعاً في بعض الأحيان، ولذلك أنصح رواد الأعمال الراغبين بدخول القطاع بأن يبحثوا عن فرصٍ مجدية في السوق وجوانب غير مستثمرة وتحظى بطلبٍ مرتفع من قبل المستهلكين، مع بناء شبكة واسعة وموثوقة من الشركاء.
مزايا وسلبيات تأسيس شركة جديدة
دائماً ما يحمل تأسيس شركةٍ ناشئة العديد من المزايا والتحديات. ونذكر من هذه المزايا أن صاحب الشركة قادرٌ على بنائها ورسم رؤيتها بما يتناسب مع أهدافه وتفضيلاته، كما تتمتع الشركات الناشئة بمرونةٍ عالية في اتخاذ القرارات والاستجابة لأي اضطرابات مفاجئة في السوق، خلافاً للشركات الكبيرة التي تعاني صعوبةً في هذا الجانب.
أما من الناحية السلبية، فنجاح الشركات الناشئة واستمرارها غير مضمون، وقد ارتفع معدل إخفاق الشركات الناشئة بنحو 60% هذا العام في الولايات المتحدة نتيجة الافتقار للتمويل وارتفاع أسعار الفائدة. وأرى أن السبب في ذلك يرجع لتسرّع الشركات الصغيرة في سعيها لتأمين حصة سوقية أكبر دون التركيز في البداية على بناء نموذج أعمال مستدام وعالي الربحية.
ومن المعروف أيضاً أن وجود الشركات الكبرى في القطاع يشكل عائقاً رئيسياً أمام المشاريع الناشئة، غير أن هذه المنافسة تحمل برأيي فرصاً عديدة على اعتبار أن كبرى الشركات تعاني أحياناً في تلبية احتياجات محددة لدى المستهلكين، وهنا يأتي دور الشركات الناشئة لاستغلال الفرصة في التوسع والنمو.
وتعتبر شركة فيديكس خير مثالٍ عن هذا السيناريو، إذ بدأت عملها بشحن عددٍ محدود منٍ الطرود كل يوم، ومن ثم شهدت ارتفاعاً هائلاً في الطلب وعمليات الشحن في ضوء التحديات المرتبطة بعمال النقابات والتي واجهت شركة يو بي إس، شركة الشحن المهيمنة على السوق حينها. وقد لعبت تلك النقلة النوعية دوراً محورياً في نمو فيديكس حتى أصبحت شركة الخدمات اللوجستية الرائدة التي نعرفها اليوم.
مواصلة العمل خلال الأزمات
شُلّت حركة الخدمات اللوجستية في جميع أنحاء العالم أثناء جائحة كوفيد-19، شأنها في ذلك شأن مختلف القطاعات. وبما أن جزءاً كبيراً من عمليات لانسيل جلوبال موجودٌ في مدينة شنجن في الصين، فقد واجهنا تحدياتٍ غير مسبوقة بعد سياسة صفر كوفيد التي أقرتها الحكومة الصينية.
وحرصنا على رؤية هذه الأزمة وتحديات الإغلاقات من منظورٍ إيجابي، لذلك قررنا افتتاح أول مركز محلي للتوزيع في ولاية نيفادا بالولايات المتحدة، ضمن خطةٍ لتوسيع عملياتنا خارج حدود الصين. وأثمرت هذه الاستراتيجية عن تحقيق نموٍ ضخم في أعمالنا ضمن الولايات المتحدة خلال عام 2020، وبالتالي تعويض الخسائر الناجمة عن عرقلة العمليات في الصين والاستمرار بخدمة عملائنا بفعالية في الوقت نفسه.
وعلى العموم، حملت لنا أزمة كوفيد-19 العديد من الدروس القيّمة، فقد استطعنا تطبيق إجراءاتٍ صارمة لخفض التكاليف واعتماد نظام العمل عن بُعد، كما منعتني الأزمة من الوصول إلى الصين طوال عام 2020.
التوسع في الأسواق العالمية
إن أحد أهم الدروس التي تعلّمتها خلال تجربتي يتمثل في الثقة بإمكانية نمو الشركات الناشئة وتوسعها إلى السوق العالمية، وقد تختلف متطلبات التوسع العالمي بين قطاعٍ وآخر، إلا أنها لا تحتاج عادةً في البداية إلى رأس مالٍ ضخم. وبالنظر إلى رحلة لانسيل جلوبال، فلطالما ركزت عملياتنا على خدمة العملاء في دولٍ أخرى، أي تندرج أعمالنا ضمن السوق العالمية منذ تأسيس الشركة.
أما التوسّع العالمي الفعلي، فقد بدأ عندما أنشأنا مراكز التوزيع في الولايات المتحدة أثناء الأزمة الصحية العالمية، وتحديداً مركزنا في نيفادا الذي كان على أتم الاستعداد للعمل حين بدأ تخفيف قيود الإغلاق في مختلف الدول، مما أتاح لنا تولي الصدارة في مشهد التجارة الإلكترونية المتنامي بوتيرة استثنائية، رغم أننا عملنا على بناء هذا المركز خلال حالة الإغلاق. وتؤكد هذه التجربة أن المخاطرة قد تثمر عن نتائج مجزية جداً في بعض الأحيان.
التأسيس في دبي والتوسع للشرق الأوسط
تشهد منطقة الشرق الأوسط اليوم مبادراتٍ عديدة لتسريع التنمية الاقتصادية، تقوم على التنويع الاقتصادي وزيادة الاستثمارات في مختلف القطاعات. كما يزدهر قطاعا التجارة الإلكترونية والخدمات اللوجستية في المنطقة، وتحديداً في دول مجلس التعاون الخليجي، في ضوء الإقبال المتزايد على التسوق عبر الإنترنت.
وفي هذا السياق، تعتبر إمارة دبي الميناء الأكثر ازدحاماً في الشرق الأوسط، كما تضم شبكةً من مطارات الشحن إلى جانب مدينة دبي اللوجستية التي تعتبر أول مدينة متكاملة للخدمات اللوجستية، فضلاً عن المنظومة المتنامية للشركات الناشئة في الإمارة، مما يجعلها وجهةً مثالية واستراتيجية لتأسيس شركة جديدة للخدمات اللوجستية تستفيد من الفرص الهائلة التي تحملها السوق المتنامية للمنطقة.