English

الشركات الناشئة ترسم خريطة للمساحات البينية في القاهرة

English

الشركات الناشئة ترسم خريطة للمساحات البينية في القاهرة

كلّ ما هو غير رسميّ شائعٌ في القاهرة، سواء كان ذلك في العشوائيات المترامية الأطراف والخارجة على القانون التي تحيط بالمدينة، أو الأزقّة المنسية التي تشقّ وسطها، أو شبكة الميني باص الفوضوية.

ورسم خريطةٍ لهذه الخصائص يُعتبَر بمثابة عملٍ للمستقلّين، خصوصاً الشركات الناشئة المحلّية بمعظمها، والتي تتّخذ طريقاً أكثر تحفّظاً لإحداث التغيير حيث هي.

"أعتقد أنّنا أقلّ حلماً الآن، ولكت ما زال لدينا املٌ ونرى الطريق يرتسم من خلال التكنولوجيا،" كما يقول أدهم خليلة من "مواصلة للقاهرة" في حديثٍ مع "ومضة".

من الأمثلة على هذا، "خريطة التحرّش" Harassmap التي تسمح للناس بتحميل مواقعهم الجغرافية وتفاصيل التحرّشات الجنسية التي خبِروها، في حين أنّ خريطة القاهرة التقنية "كايرو تك ماب" Cairo Tech Map من "ميرسي كورب" Mercy Corp ترسم خريطة البيئة الريادية في المدينة.

"آي تي ووركس" Itworks هي من الشركات التي أسهمَت في إلهام الناس. (الصورة من "كايرو تك ماب")

مع كلّ ذلك، فإنّ ما يجذب اهتمام المهتمّين بالتخطيط الحضري الهواة والمحترفين هو الجانب غير الرسميّ للمدينة.

فراغٌ شكليّ

كانت القاهرة مدينة العناصر الحضرية غير الموضوعة على الخريطة، وهي حالة ساهم في تفاقمها الفراغ الحكوميّ منذ ثورة عام 2011. واليوم لا يوجد سلطات رسمية ترسم خريطة لحاجات الناس أو للخصائص الرئيسية مثل طرقات الباصات.

في هذا السياق، كتب أخصّائيّ التخطيط الحضريّ دايفيد سيمز في كتابه "فهم القاهرة: منطق مدينة خارجة عن السيطرة"Understanding Cairo: The Logic of a City Out of Control، أنّ العشوائيات في المدينة بدأت بالظهور في عام 1950.

وقدّر بتحفّظٍ أنّه في عام 2009، عاش 63.6% من الناس في العشوائيات، أي 11 مليون شخصٍ من أصل 17.3 ملايين نسمة يعيشون في القاهرة الكبرى.

بالإضافة إلى ذلك، منذ ثورة كانون الثاني/يناير 2011، ازدادت أعداد المباني غير الشرعية في المدينة منذ غياب أيّ سيطرةٍ للحكومة. وتشير بعض المعلومات عير الرسمية إلى أنّ البناء العشوائيّ قد ازداد بمقدار ضعفين أو ثلاثة أضعاف مقارنةً بمعدّلات ما قبل عام 2011،" حسبما كتب سيمز في مقالةٍ في "كايرو ريفيو" Cairo Review في عام 2013.

ما تبقّى من أرضٍ زراعية بين المباني العشوائية الزاحفة. (الصورة من "أوربن نكست" Urban Next)

منذ خمس سنوات والقاهرة لا تزال من دون مجالس محلّية، أي منذ أن تمّ حلّ المجالس السابقة بعد ثورة عام 2011 كونها كانت تتبع للرئيس المخلوع محمد حسني مبارك.

ترك هذا المصريين عاجزين عن معرفة ما الذي يجري في محيطهم، بحيث تتضمّن الأمثلة النافرة والشائعة تدمير 1200 منزلٍ في الإسكندرية في عام 2014 من دون أيّ سابق إنذار لقاطنيها، أو محاولة طرد 1500 شخصٍ من مدينتهم رملة بولاق لكي تحوّلها البلدية إلى مركزٍ تجاريّ.

لهذا فشلت محاولات المستقلّين في رسم خريطةٍ للقاهرة، والذين أطلقوا أعمالهم في عام 2011.

التنحّي، "مواصلة للقاهرة"

انطلقت "مواصلة للقاهرة" TFC في شهر آب/أغسطس من العام الماضي بمشروعٍ طموحٍ لرسم خريطةٍ لكلّ المواصلات العامّة في القاهرة الكبرى (التي تشمل مدينة القاهرة والنيل والجيزة في الغرب بالإضافة إلى المناطق النائية).

ويقول لـ"ومضة"، خليلة، الشريك المؤسّس في هذا المشروع الذي بدأ مع "فكرةٍ صغيرةٍ" للتحقّق من خطوط الباصات بناءً على خريطةٍ للبنك الدولية منذ عام 2010: "لا اعتقد أنّ أحداً حاول رسم خريطةٍ من الأسفل إلى الأعلى بدلاً من الأعلى إلى الأسفل. يمكنك ان تحدّد أين يكون الضغط ومن ثمّ تحديد الطريق".

في هذا الصدد، قام المتطوّعون بالتقاط صورٍ قائمةٍ على نظام تحديد المواقع العالميّ GPS، كما عمل الفريق في شهر نيسان/مايو خلال ورشة عملٍ على مساعدة المجموعة الطلّابية "ديزيرت سيتي مابرز" Desert City Mappers، حيث عملوا على التحقّق من 20 طريقاً في أكثر من ثلثي المدينة وإنتاج ثلاث خرائط مختلفةٍ لها.

إحدى الخرائط الثلاث التي صمّمها الطلّاب والتي تحدّد 20 طريقاً للباصات في القاهرة - وهو ما يشكّل فقط 2% من الطرقات الموجودة. أنقر على الصورة لرؤيها بشكلٍ أكبر. (الصورة من "مواصلة القاهرة")

ستكون البيانات النهائية مفتوحة المصدر ومتاحةً على الورق وضمن تطبيقٍ للأجهزة المحمولة، كما ستُخزَّن في صيغة عالمية لتحديد حركة النقل العام General Transit Feed Specification (GTFS) والتي تتواءم مع خرائط كختلفة.

"إذا كان يوجد أحدٌ يهتمّ لهذا، يمكن أن يُستخدَم بشكلٍ ممتاز،" على حدّ قول خليلة الذي يضف أنّها "طريقةٌ لنشر الخدمة. وإذا كنّا نقوم بأمرٍ ما فهو ليس من أجل المال، بل من أجل الناس".

المساحات البينية

على خلاف عملية التطوّع التي تديرها "مواصلة للقاهرة"، فإنّ "كلاستر" Cluster مكتبٌ احترافيّ للتصميم الحضريّ رائد بين المنظّمات التي ترسم خريطةً للقاهرة.

وفي حين تنتشر على الجدران خرائط ورقية ورسومات بيانية كبيرة ثلاثية الأبعاد لوسط المدينة، يحاول الشريك المؤسّس عمر نجاتي تفادي تصريف مكيّف الهواء الذي يهرّب الماء في مكتبه.

حيّ الكوداك. (الصورة من "مدى مصر")

قبل هذا المشروع هناك "منصّة المبادرات العمرانية بالقاهرة"Cairo Urban Initiatives Platform أو "كويب" CUIP التي ترسم خرائط للفنون والثقافة في المدينة، وكذلك "مشروع "ممرّات وسط البلد" Downtown Passageways الذي يرسم خريطةً للعناصر الاجتماعية والجغرافية لشوارع وسط المدينة البينية.

أنشئ مشروع ممرّات وسط البلد" في الأساس "لتحديد امتداد المساحات البينية في وسط المدينة، والتي تشكّل هيكلاً موازياً" للشوارع الرئيسية، بحسب نجاتي الذي يشير إلى أنّها "غير ظاهرة وبالتالي فهي أكثر تسامحاً... ونحن نحاول أن نقارب المدينة من الداخل إلى الخارج، من القاعدة".

هذا المشروع الذي انطلق في عام 2012، لا يعمل على إنعاش الأزقّة الضيّقة وحسب، بل قام أيضاً بنشر سلسلةٍ من الجولات ضمن أزقّة وسط المدينة التي يتراوح عددها بين 100 و150 زقاقاً.

الممرّات هي "الحوار" الذي يتشكّل في المكان بين السكّان والشركات وغيرهم من الذين يستخدمونه، وفقاً لنجاتي. (الصورة من "كلاستر")

أمّا "كويب" فقد عملت بدورها على تعزيز التعاون بين المساحات الفنّية تحسّباً لطفرة تمويل الفنون التي جاءت بعد الثورة.

وتقول الشريكة في التاسيس، بيث سترايكر، إنّهم استفادوا من لقاءات التشبيك لتطوير جدولٍ للفعاليات والمساحات، حتّى بات لديهم اليوم أكثر من 300 مبادرة على الخريطة، علماً أنّ هذه الأخيرة لم تكن تسمع ببعضها بعضاً قبل هذا بالرغم من أنّها تعمل في المحيط نفسه.

تقوم خريطة "كويب" بتحديد كلّ المشاريع الثقافية، بدءاً بمطوّري العقارات مروراً بوسائل الإعلام وصولاً إلى المعارض الفنّية. (الصورة من "كلاستر")

على صعيدٍ آخر، يلفت نجاتي إلى أنّ "رسم خريطةٍ لما هو غير رسميّ" له سلبياته، خصوصاً وأنّ فهرسة المساحات غير الرسمية قد فتحَت العين عليهم، ويمكن أن تكون قد فتحَت عين السلطات على بعض النشاطات أو بعض المناطق من أجل تحسينها.

وفي الوقت عينه، سمحَت هذه المبادرات "لممرّات بإعادة تشكيل نفسها كما ولإعادة وضع تصوّرٍ لوسط المدينة" كون هذه المناطق أصبحَت مواقع لمهرجانات الأفلام أو الأسواق الشعبية التي تُقام في نهاية الأسبوع.

الأمور غير الرسمية في الأفق

خارج وسط المدينة، يوجد مبانٍ من أحجار الطوب الأحمر تطوّقها.

هذه الأبنية المتراكمة على بعضها البعض، يفصلها أزقّة معتمة تتّسع للأوساخ وتضيق على السيارات. ويُشار إلى كلّ مبنى من خلال شبّاكٍ صغيرٍ في الحائط يعتليه مكيّف هواء يدويّ الصنع، ما يدلّ بوضوحٍ على طبيعة البناء العشوائية.

في هذا السياق، يرسم "استديو ميم" Studio Meem من خلال مشروعه "مابينج كايرو" Mapping Cairo خريطةً لبعض أوجه هذه المناطق العشوائية، مثل معدّلات الفقر، على غرار "مشروع خريطة العالم" Ecocitizen World Map في المدينة.

معدّلات الفقر في القاهرة. (الصورة من "استديو ميم")

لا تُخطئ، فالأقلّ فقراً لا يعيشون هنا، بل في كلّ مكانٍ في الوسط.

تذكر نادين عكاشة، مديرة العلاقات العامة في شركة التطوير العقاري "سوديك" SODIC، أنّ من أسباب اللجوء إلى السكن في العشوائيات هو عدم توفّر سكنٍ بأسعارٍ مقبولة بين 250 ألف جنيهٍ مصريّ و400 ألف جنيه.

وتضيف أنّه "إذا كان لديك الديناميات المناسبة، يمكنك أن تحقّق الأرباح من هذه الشريحة في السوق. المصريون لا يتحدّثون عن هذا؛ أين من المفترض أن يعيشوا؟"

لرسم خريطةٍ لحاجات سكّان القاهرة، فإنّه من دون خطّةٍ حكوميةٍ متماسكةٍ - أو حتّى نظامٍ حكوميّ متماسك للبدء بهذه الخطّة، تبقى الجهود الفردية أساسيةً لمعرفة أحوال المدينة ورفع صوت الناس.

"مجتمع جميل" Community Jameel و"ومضة" ينظّمان ورشة عمل "مختبر الميديا" في "معهد ماساشوستس للتكنولوجيا" MIT Media Lab للتركيز على إيجاد حلولٍ للندن المستدامة، بقيادة مصمّمين وعلماء ومهندسين وفنانين، من 29 آب/أغسطس إلى 2 أيلول/سبتمبر.

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.