English

رائد أعمال سوري يبتكر كبسولة تعقّم المياه من دون كلور

English

رائد أعمال سوري يبتكر كبسولة تعقّم المياه من دون كلور

Louay

من اليسار: لؤي العتبة بين الشريكتين المؤسستين لـ"جسور" عزيزة عثمان ودانية إسماعيل (الصورة من لؤي العتبة).

يعتقد رائد الأعمال السوري لؤي العتبة أنّه وجد حلّاً لتلوّث المياه باختراعه كبسولة لتعقيم المياه من دون استخدام الكلور.

صُمِّمَت هذه الألواح التي أطلق عليها اسم "أو لايف تي إم" OlifeTM لاستبدال الأساليب التقليديّة كتعقيم مياه الشرب ومياه المسابح بالكلور، بسبب المخاطر الصحيّة المرتبطة بهذا الأخير.

وكانت تحليلاتٌ صدرت عن "جامعة هارفرد" Harvard قد أظهرت أنّ الأفراد الذين يشربون المياه المعقّمة بالكلور لفترات طويلة من الوقت هم أكثر عرضة للإصابة بسرطان المثانة bladder cancer بنسبة 21%، وللإصابة بسرطان القولون المستقيم rectal cancer بنسبة 38%، ما شغل اهتمام وقلق الرأي العام في بعض بلدان العالم. بالإضافة إلى ذلك، يؤدّي الكلورين إلى التهابات في العين والجيوب الأنفيّة والحلق وإلى تلف الشعر والجلد.  

في حديثه مع "ومضة"، يشير العتبة، مؤسِّس "نوبل شيميست" NobelChemist إلى أنّ "الحلول التي نحاول تأمينها هي بالفعاليّة والبساطة والتكلفة الزهيدة نفسها للكلور، وهي المادة الأكثر استخداماً لتعقيم المياه، إنّما من دون مخاطر صحيّة."

تستخدم الهيئات الحكومات الكلور لتعقيم مياه الشرب ومياه المسابح في أكثر من 35 بلداً حول العالم، منها الولايات المتّحدة وأغلب البلدان الأوروبيّة. ولكن في الوقت عينه، فإنّ هذه البلدان تنظّم هذه العمليّة ليبقى مستوى الكلور دون 5 ميليجرامات في الليتر الواحد من مياه الشرب، بخاصّةٍ بسبب المخاطر المذكورة أعلاه. ونتيجةً لذلك، يقول العتبة، إنّ "لدينا سوقاً من 7.7 ملايين دولار عالميّا."

العتبة مع أحمد بيرم، مدير البرنامج في "جسور" في "برنامج جسور لريادة الأعمال".

المحاولات مستمرّة

في عام 2011، دُمِّر بالكامل مصنع العتبة المؤلّف من غرفة واحدة في حلب، والذي كان يتضمّن 6 آلات لصناعة الألواح.

ويشرح قائلاً إنّ "مرحلة الأبحاث على المنتَج استمرّت سنتَين، من عام 2009 حتّى عام 2011، وبعدها اندلعت الحرب. كلّ شيءٍ توقّف بعد الحرب، ودُمِّر المصنع بالكامل."

ولكن في آذار/مارس من هذا العام، عرض العتبة شركته الناشئة في "برنامج جسور لريادة الأعمال" Jusoor Entrepreneurship Competition وتلقّى جائزة بقيمة 5 آلاف دولار كتنويهٍ بقدرات هذا الاختراع.

قبل ذلك تمّ قبوله للمشاركة في عددٍ كبيرٍ من مسابقات "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" MIT خلال الحرب، غير أنّ طلب الفيزا إلى الخارج رُفض. كما أنّه حاول الاستحواذ على اهتمام المستثمرين واقترب من تأمين 800 ألف دولار في 2013، "لكنّ الوضع الأمني كان مضطرباً جدّاً فاضطرّوا إلى سحب عرضهم"، كما يشرح الرياديّ السوريّ لـ"ومضة".

ما التقدّم الذي حصل في سوريا قبل الحرب؟

في الأشهر القليلة من عام 2011 حيث كانت تنشط شركته الناشئة، صنّع العتبة 20 ألف كبسولة وباعها لأكثر من 70 منتجع ومسبح خاصّ في حلب.

ويقول عن هذا الأمر إنّه عندما كنّا نجمّع 120 كبسولة يوميّاً كانت قدرتنا محدودة على الإنتاج في ذلك الحين."

كلّ كبسولةٍ واحدةٍ من هذه الألواح تكفي لتعقيم حوالي 20 ألف ليتر من المياه وتدوم حتّى أسبوعٍ في المسبح، في حين أنّه لا يمكن لألواح الكلور سوى تعقيم 15 ألف ليتر من المياه وتدوم لمدّة ثلاثة أيّام فقط.

وفيما تُباع هذه الكبسولة بدولارٍ واحد، وهو السعر عينه لكبسولة الكلور، برهن العتبة لعملائه المحتملين من خلال تجارب المختبرات أنّ لها قدرةً على التعقيم بنسبة 99%، مقارنةً مع الكلور الذي لا يُعقّم سوى بنسبة 70%.

"حوالي 15 عملياً من عملائنا طلبوا منا نتائج المختبر وكنتُ سعيداً في عرض طريقة عمل المنتَج عليهم."

كبسولات العتبة، المصنوعة في حلب، كانت كبسولات على شكل أقراص.

كيف تعمل الكبسولة؟

كونها مصنوعة من معادن السلفات البيروكسي peroxy sulfate salts، تعمل هذه الألواح من خلال توليد ردّ فعل كيميائي يُستخدم عادةً في تعقيم المياه، ويسمى "تعقيم المياه بالأوزون" ozonation.     

وبالتالي فإنّ "عمليّة التعقيم بالكبسولة تشبه عمليّة "تعقيم المياه بالأوزون، وهي تقنيّةٌ مكلفة ومعروفة حيث يُضَخّ الأوزون إلى المياه باستخدام جهازٍ مولِّد للأوزون"، وفقاً لما يشرح العتبة مضيفاً أنّ "هذه العمليّة تتطلّب معدّات كثيرة وهي باهظة الثمن بالنسبة للحكومات، كما عليك أن تضع هذه الآلات في البنية التحتية للمسابح في هذه الحالة."

تتراوح كلفة تركيب مولدات الأوزون في مسبح واحد حوالي 40 ألف دولار "وهذا أمر مكلف جدّاً للدول العربيّة."

أمّا هذه الألواح، فعندما تُغمَر بالمياه تُطلِق غاز الأوزون الذي ينقسم إلى جزئية أوكسيجين ثنائية الذرة diatomic oxygen molecule، وذرة أوكسيجين واحدة single oxygen atom، تعرف باسم الأوكسيجين التفاعليّ reactive oxygen.

وهذا الأوكسيجين التفاعلي بالتالي هو المسؤول عن أغلب عمليات الأكسدة oxidization processes.

القصّة، التمويل والمنافسة

بدأت أبحاث العتبة عندما كان يعمل في المبيعات في "سانوسيل إنترناشونال"  Sanosil International LLC، وهي شركة أدوية متخصّصة بالتعقيم.

ويذكر أنّه "في ذلك الوقت، كان يسألني زبائني عن مادّةٍ يمكنها تعقيم المياه لكن لا يمكن استخراجها كما يستخرج الكلور في المصانع. لقد أرادوا شيئاً بثمن الكلور الزهيد وبالفعاليّة نفسها، وهناك بدأت أبحاثي."

خلال قيامه بالأبحاث، وجد العتبة منتَجات لتعقيم المياه بالأوزون متوفّرة في السوق: "كاروات" Caroat من الشركة الأورونبة "إيفونيك" Evonik، و"أوكسون"Oxone من المصنع العالمي "دوبون" DuPont، اللذان يستخدمان لأهداف عدّة منها التبييض والحدّ من الرائحة ومعالجة المياه.

ويشرح أنّ "هذه المنتجات وصلت إلى 4% من الأوكسيجين التفاعلي، مما جعلها غير كافية لمعالجة المياه بالرغم من أنّها شكّلت محسّنات للجودة."

نتيجةً لذلك، قرّر هذا الرياديّ توظيف معرفته في علم الأدوية واختبار المواد الكيميائيّة التي يمكن أن تزيد نسبة الأوكسيجين التفاعلي في المياه.

ولأنّه كان يخطط للحصول على شهادة الماجستير في الصيدلة في حين كان يعمل على مشروعه، أعطي العتبة الإذن باستخدام المختبرات في الجامعة لكّنه ما لبث أن اكتشف أنّه من دون الآلات المناسبة ستكون تجاربه غير نافعة.

ويقول هنا إنّ "المعدّات البسيطة الموجودة في المختبرات لا تكفي. كنتُ بحاجةٍ إلى آلات يمكنها أن تحوّل المنتج إلى حبّاتٍ صغيرة وتجمعه بشكل كبسولة مثلاً".

لكنّ آلات التصنيع باهظة الثمن وشحنها صعب، لذلك اضطرّ العتبة إلى الابتكار. ويشرح لـ"ومضة" بالقول: "لقد تحدّثتُ مع عددٍ كبير من الصانعين في حلب وطلبتُ منهم جمع الآلات التي أحتاج إليها"، شارحاً أنّه كان بحاجةٍ إلى 6 آلات لصناعة كبسولاته منها المفاعل، والمبخّر، وآلة تحوّل المنتَج إلى حبّات صغيرة granulator، وآلة للتغليف film coater، وخلاط للمواد الجافة، وآلة ضاغطة للألواح؛ وهي ما وصلت كلفتها إلى 40 ألف دولار.

يخفف العتبة من وطأة هذا الرقم، ويقول: "كنتُ سأضطر إلى دفع مئات الآلاف بالمقابل. وبالرغم من أنّ هذه الآلات لم تكن آلات متخصّصة إلّا أنّها كانت تكفي لتجربة المفهوم لإثبات نجاحه."

ولكن مع الحرب في سوريا، لم ينجُ من الآلات الستة سوى اثنتَين وهي الآن في منزل العتبة في حلب.

آلات العتبة تدمّرت خلال الحرب.

براءة الاختراع للتركيبة السريّة

الحصول على تقدير من "جسور"، وهي منظّمة في بريطانيا تدعم السوريين من مختلف المجالات والمهن، لجهوده خلال الحرب شكّل خطوةً أولى للعطبة في إعادة بناء شركته الناشئة.

فهو يخطّط لاستخدام جائزة الـ5 آلاف دولار لتسجيل براءة اختراع لتركيبته في الولايات المتّحدة، وهي عمليّة كلفتها تقارب الـ32 ألف دولار.

ولكن بحسب العتبة، فإنّ "‘معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا‘ سيساعدني على التواصل مع محامين في الولايات المتحدة للحصول على براءة الاختراع، لأنّهم لا يعرفون الكثير عن الحصول على براءة اختراع في المجال الكيميائي فهم غالباً ما يعملون مع الشركات الناشئة في التكنولوجيا". كما يضيف أنّ "الخطوة الثانية هي البحث عن شريك استثماري، لأنّه لم يعد لديّ أموالٌ لإكمال العمل على المشروع."  

بدورها، فإنّ رئيسة مجلس إدارة "مسابقة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا"، هلا فاضل، التي شاركت في لجنة التحكيم في "برنامج جسور لريادة الأعمال"، سألت لماذا لم يسمَع أحدٌ بـ"أو لايف تي إم" من قبل: "أليس هناك عددٌ كبير من الزبائن لهذا المفهوم؟"

فأجاب العتبة بأنّه كان هناك زبائن، ولكنّ الحرب التي مزّقت البلاد قد تدخّلت. وقال إنّه "لم يكن بوسعي إعادة بناء مساحة عملي بعد الحرب، إذ لم يكن لديّ تمويل. وبالرغم من أنني كنتُ مشاركاً في نهائيات عددٍ كبير من مسابقات ’معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا‘ إلّا أنّ طلب الفيزا الخاصّ بي رُفِض."

"إنّ الوضع معقّد، أنا أحتاج إلى مساعدتك."

 

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.