هل تصبح دبي الوجهة الأولى للسياحة العلاجية في العالم؟
في معظم الأحيان يكون التخطيط لزيارة بلدٍ أجنبيٍّ بمثابة تعهّدٍ طموح، ولكنّ التوقّف أثناء الرحلة للحصول على علاجٍ طبّي يعقّد هذه المسألة.
في غضون ذلك، زار دبي 630 ألفاً و833 سائحاً من أجل العلاج في عام 2015، فيما تأمل هذه الإمارة استقطاب أكثر من 500 ألف زائر دولي بقصد السياحة العلاجية سنوياً بحلول عام 2020.
باول سيبولا، الشريك المؤسِّس لشركة "ميديجو" Medigo الكائنة في برلين ومدير عملياتها، يحدّد الزائر بقصد السياحة العلاجية على أنّه الشخص الذي يسافر إلى بلدٍ آخر [غير موطنه الأصليّ] للحصول على الرعاية الطبية. ويقول لـ"ومضة" إنّ "هناك تفسيراً أوسع قد ينطبق على الأشخاص الذي يسافرون من أجل الأعمال والترفيه، وربّما يحتاجون إلى رعايةٍ طارئة بالإضافة إلى رعايتهم كمغتربين".
أمّا "ميديجو" فهي منصّةٌ سياحيةٌ على الإنترنت تركّز على السفر الذي يُخَطَّط له قبل يومٍ أو يومَين، من أجل العثور على أفضل مزوّدٍ بأفضل سعر. وعن علاقة هذه الشركة الناشئة بالإمارات، فهذا البلد يُعتبَر خامس أكبر سوقٍ مصدَر للشركة التي تخطّط للانطلاق في دبي هذا العام.
في خطوةٍ كبيرةٍ لاستقطاب الزائرين بغرض السياحة العلاجية، أعلنت "هيئة الصحة بدبي" Dubai Health Authority (DHA) عن إطلاقها "تجربة دبي الصحّية" Dubai Health Experience (DXH) ضمن خطة دبي للسياحة العلاجية، وهي موقع إلكترونيّ ومنصّة لاستكشاف خيارات العلاج الطبّي في دبي. يقدّم الموقع معلوماتٍ عن تأشيرة السياحة العلاجية، والمستشفيات، وشركات التأمين الصحّي، والفنادق، بالإضافة إلى تخفيضاتٍ على تذاكر السفر عبر "طيران الإمارات" لكي يختار الزائرون الحزمة الأمثل.
الهدف الذي تسعى إليه دبي
يترافق إطلاق هذه البوابة الإلكترونية مع إعلان دبي عن سعيها لتصبح أوّل مقصدٍ للسياحة العلاجية في العالم. وإلى جانب المرضى والمستشفيات والأطباء وشركات التأمين الصحّي، فإنّ الحكومة والقطاع الخاصّ هم أيضاً من بين اللاعبين الرئيسيين في عمليات السياحة الطبية في المدينة، حسبما يقول سامر مزاهرة، الشريك المؤسِّس لشركة تسهيل خدمات السياحة الطبّية، "سلامتك لإدارة الرعاية الصحية" Salamatak Healthcare Management.
وإذ يشير هذا الأخير إلى أنّ عملية العثور على ما ينُاسب من مستشفى وفنادق وطيران وغيرها من الخدمات كثيراً ما تستغرق السياح بغرض العلاج شهرَين أو أكثر، يلفت إلى أنّه يمكن لشركة تسهيل خدمات السياحة الطبّية القيام بذلك في غضون بضعة أيام.
يُذكَر أنّ "سلامتك" كانت أول شركة مختصة بتسهيل خدمات الرعاية الصحية مرخّصة في دبي من قبل "مدينة دبي الطبية" Dubai Healthcare City (DHCC) في عام 2013، لكنّها أغلقَت فيما بعد بسبب خلافاتٍ داخلية.
قبل تصنيف أيّ خياراتٍ للعلاج، يحتاج الزائر بغرض السياحة العلاجية إلى الإجابة على بضعة أسئلةٍ في العادة.
"تتعلّق السياحة العلاجية بأمرَين - هل ستحصل على ما هو أفضل ممّا في الوطن من حيث القدرة على الوصول والنوعية، وهل ستحصل على رعايةٍ أقلّ كلفةٍ من تلك التي في الوطن،" على حدّ قول علي الهاشمي، مؤسِّس "أمانة للرعاية الصحّية" Amana Healthcare.
ولكنّ دبي مدينة غالية من حيث السكن أو السياحة، فما الذي قد يجذب المرضى إليها؟
إنّه الحصول على نوعيةٍ معقولة من العلاجات الروتينية، بالإضافة إلى قربها من بلدان الخليج الأخرى والبلدان الأفريقية، بحسب سيبولا الذي يضيف أنّ "الأمر لا يتعلّق فقط بالقرب الجغرافي، بل بالقرب الثقافيّ أيضاً، وهو ما يقدّره المرضى ويأخذونه في عين الاعتبار".
أرقام صحّيّة
تشير إحصاءات "هيئة الصحّة بدبي" حول الزائرين بغرض السياحة العلاجية إلى أنّ الزيارات إلى "تجربة دبي الصحّيّة" في عام 2015 سجّلت 26 مستشفىً من قِبَل 332 ألفاً و472 شخصاً من داخل الإمارات و298 ألفاً و359 شخصاً من خارجها (46%)، وإلى أنّ العائد الإجماليّ لهذه الزيارات قد وصل إلى 400 مليون دولار أميركيّ.
وعلى الرغم من ذلك، تشكّك في هذه الأرقام "مجلة السياحة الطبية الدولية" International Medical Tourism Journal التي تقول إنّ ليس كلّ العيادات الصحية تقدّم البيانات، وإنّه من الصعب تحديد الزائرين بغرض السياحة العلاجية في إمارةٍ تعجّ بالعمالة الوافدة والمغادرة.
في عام 2014، عقدَت "هيئة الصحّة بدبي" أوّل مؤتمرٍ لها حول تنظيم الصحّة في دبي والسياحة العلاجية بحضور أكثر من ألف خبيرٍ في المجال الطبّي. وحتى ذلك الحين، "كانت السياحة العلاجية ذات أهميةٍ كبيرةٍ نظراً للتعبئة العالية التي كانت تدفع المريض بحثاً عن خدمات رعايةٍ صحّيةٍ أفضل وأكثر تقدّماً،" بحسب جيني مريم جون، من قسم التطوير في "هيئة الصحة بدبي". أمّا مؤتمر عام 2016، فسيُعقد في شهر تشرين الأول/أكتوبر بحيث سيتضمّن جلسة تشبيكٍ يديرها "المؤتمر الدولي للسياحة العلاجية" World Health Tourism Congress.
لفهم قيمة المقترَح الذي تقدّمه دبي في مجال السياحة العلاجية، يحتاج المرء إلى جمع نوعية وتكلفة الرعاية مع نجاح المدينة في عكس اتجاه السياحة [العلاجية] الصادرة من البلاد والحصول على أشخاصٍ جدد هنا "، وفقاً لما يقوله الهاشمي.
وبحسب نديم زيدان، الحاصل على شهادةٍ مهنيةٍ من "جمعية السياحة العلاجية" Medical Tourism Association، ومؤسِّس منصّة السياحة العلاجية "هوليوود ستارز إم إي" Hollywood Stars ME، فإنّ معظم عملائه يأتون من دول الخليج مع تصدّر الكويت والسعودية للائحة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ السياح من القارة الأفريقية الذين جاؤوا إلى دبي للعلاج من أمراض القلب والجراحة التجميلية، هم من أصحاب الاحتياجات العلاجية الأكثر شيوعاً بين عملائه.
يرى زيدان أنّ مطابقة المريض مع مقدّم الخدمة هي عمليةٌ صعبةٌ تنطوي على استفسار المريض عن المستشفيات ضمن الشبكة، وتجميع التعليقات وإرسالها، وإجراء المحادثات عبر "سكايب"، والحصول على نتائج اختبار الدم من المرضى إذا لزم الأمر، لتبدأ بعد ذلك العمليات اللوجستية الخاصّة بالإقامة في الفندق، وحجوزات الطيران، وغيرها.
في الاتجاه المعاكس
في حين تشهد السياحة الوافدة إلى دبي ارتفاعاً في الأعداد، وجدَت دراسة داخلية لـ"ميديجو" أنّ أكثر من 30 ألف مريضٍ يسافرون سنوياً من داخل الإمارات إلى الخارج للعلاج من أمراض الأسنان، وإجراء الجراحة التجميلية والجراحات الخاصّة لعلاج البدانة.
حاولنا الاستفسار عن الموضوع من "مدينة دبي الطبية"، ولكنّ المحاولات المتكرّرة لإجراء مقابلةٍ مع مسؤولين فيها فشلَت قبل نشر هذه المقالة. ومع ذلك، يشير أحدث بيانٍ صحفيٍّ لـ"تجربة دبي الصحّيّة" إلى أنّ الهدف الأساسيّ لهذه المبادرة يكمن في استقطاب الزوار بغرض السياحة العلاجية من دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا ودول الاتحاد السوفيتي (سابقاً) ودول جنوب آسيا مثل الهند وباكستان وبعض الدول الأفريقية"، مع توفير 10 تخصّصاتٍ علاجية.
يذكر مزارعة أنّ سوقه قابلة للحياة وفي حاجةٍ إلى المستثمرين، ويشدّد على أنّه إذا كان سيفعل ذلك مرّةً أخرى فهو سيركّز على علاجٍ واحدٍ ويرغب في أن يكون ذلك على مستوى العالم. "أودّ أن أركّز على دول مجلس التعاون الخليجي و[أيضاً] على إرسال المرضى خارج البلاد".
من ناحيةٍ أخرى، يُعدّ "التخصّص" من الأمور الأساسية التي تساهم في نجاح "أمانة". فهذه الأخيرة تركّز على العناية المركزة على المدى الطويل، ولديها عملية ضمّ مفصّلة للمرضى الجدد وأسرهم، بما في ذلك السكن مع العائلة في مكان تواجد المريض.
"نحن لا نحاول أن نكون كلّ شيءٍ للجميع،" يقول الهاشمي، مضيفاً أنّ "الأمر يتعلق بالمدخلات والتنفيذ ... وقدرتك على جذب وتوظيف أفضل الأشخاص، وأن يكون لديك عمليات جيدة، ومعايير عيادية جيدة وإدارة جيدة - إذا كان لديك المكوّنات الصحيحة - يمكنك تقديم رعاية [صحّيّة] جيّدةٍ للغاية هنا".