الواقع الافتراضي يغيّر مفهوم الترفيه جذريًّا في المطارات
في أوائل عام 2015، وبالشراكة مع "سامسونج Samsung"، طرحت شركة الخطوط الجوية الوطنية الأسترالية "كانتاس إيرويز Qantas Airways" الواقع الافتراضي في مقصورات الدرجة الأولى وصالاتها. أتاح هذا الحدث الأول من نوعه في قطاع الطيران في ذاك الوقت للمسافرين الهبوط على جزيرة هاميلتون والغوص حول الحاجز المرجاني العظيم وتسلق جسر ميناء سيدني، كلّ ذلك أثناء جلوسهم على مقاعدهم بمنتهى الراحة!
كانت تجربةً ثوريةً سابقةً لوقتها منذ ثلاث سنوات، لكن اليوم تتنافس شركات الطيران بضراوة فيما بينها للتميز في استخدام آخر إنجازات وابتكارات التكنولوجيا، بما في ذلك الواقع الافتراضي، إذ أصبح إدماج التكنولوجيا الحديثة ضرورة حتمية لتحسين تجربة العملاء. تحوّل الواقع الافتراضي إلى خدمة، وليس مجرّد خيار ترفيهي على متن الطائرة، تصاحب المسافرين أثناء رحلتهم من البداية وحتى وصولهم إلى صالة الانتظار.
بحسب شوجات ميرزا، رئيس الجمعية العالمية للواقع الافتراضي والواقع المعزز في الإمارات، والتي تربط مقدمي الحلول بالعلامات التجارية والعملاء، فإن الواقع الافتراضي من شأنه تغيير قواعد اللعبة المعهودة. صرّح شوجات ميرزا في مقابلة مع ومضة: «الواقع الافتراضي سيغير طريقة استهلاكنا للمحتوى، بل وسيتيح لنا التفاعل مع العالم بشكل أفضل».
نماذج من العالم من حولنا
سعياً لاجتذاب المزيد من العملاء ورفع المبيعات، لا تدخر شركات الطيران حول العالم جهداً للاستفادة القصوى من أفضل ما يمكن أن يقدمه الواقع الافتراضي. ففي أوائل عام 2017، حصل المسافرون على متن شركة لوفتهانزا على فرصة تجربة نظارات الفيديو المبتكرة "أفيجانت جليف Avegant Glyph" في صالة درجة رجال الأعمال. يقول الدكتور تورستن فينجنتر، رئيس الابتكارات الرقمية لدى لوفتهانزا: «يلعب الترفيه الإلكتروني دوراً هاماً في السفر. وقد اخترنا ابتكاراً مذهلاً من بين الكمّ الهائل من المنتجات الجديدة المتوفرة. يستطيع عملاؤنا تجربة هذه المنتجات بشكل غير رسمي وفي بيئة مريحة».
كما جرّبت شركة الطيران طريقةً مبتكرة لبيع ترقيات درجة الركّاب إلى الدرجة السياحية الممتازة عند بوابة المغادرة. من خلال دعوة المسافرين لارتداء نظارة الواقع الافتراضي لاستعراض كيف تبدو مقصورة ومقاعد الدرجة السياحية الممتازة من منظور بانورامي، كانت "لوفتهانزا" تسعى إلى أن تحفيز الركاب في ترقية تذاكرهم إلى الدرجة السياحية الممتازة. يستطيع الركّاب الذين قرروا ترقية مقاعدهم دفع قيمة الرسوم الإضافية عند البوابة مباشرة. وبحسب تقارير "لوفتهانزا"، حقق هذا النهج بالفعل نجاحاً كبيراً في ترقية الركّاب إلى الدرجة السياحية الممتازة باستخدام الواقع الافتراضي في الولايات المتحدة.
اعتمدت الخطوط الجوية الملكية الهولندية (KLM) أيضاً نهجاً مماثلاً. فمن خلال ارتداء النظارات الافتراضية الخاصة بترقية الرحلة على الخطوط الملكية الهولندية، يستطيع المسافرون ترقية رحلتهم افتراضياً. فباستخدام تطبيق ترقية الرحلة ووضع الهاتف الذكي في صندوق نظارة الواقع الافتراضي، يمكن للركّاب الاستمتاع بكافة مزايا حزمة الرحلة الشاملة. كما ويستطيع المسافرون مشاهدة فيلم سينمائي على نظام KLM الترفيهي، واستخدام تطبيق وسائط KLM المجاني لقراءة جريدتهم المفضلة، والتمتع بحسّ الضيافة الكريمة والاستمتاع بوجبة حقيقية شهية مجانية.
منذ شهر آب/أغسطس 2017، وبالشراكة مع الشركة الناشئة "سكاي لايتس SkyLights"، تعكف "الخطوط الجوية الفرنسية Air France" على إجراء تجارب لنظام ترفيهي غامر باستخدام نظارات الواقع الافتراضي، يتيح للعملاء الترفيه عبر مشاهدة أفلام ثنائية وثلاثية الأبعاد أو مسلسلات تلفزيونية في سينما خاصة بهم وحدهم، ممّا يعزلهم بشكل كامل عمّا يحدث داخل المقصورة.
تأسّست "سكاي لايتس" عام 2015 على يد كلّ من ديفيد ديكو، مدير تنفيذي وطيار سابق لدى الخطوط الفرنسية؛ وفلورنت بولزينجر، من عشاق الواقع الافتراضي؛ وفلورنس فورناري، رائد أعمال سابق في مجال بث مقاطع الفيديو؛ وراتب زاعوق، رئيس العمليات. وتهدف الشركة إلى استغلال أحدث تقنيات الواقع الافتراضي السينمائية لإحداث ثورة شاملة في تجربة السفر أثناء الرحلة.
الإمارات العربية المتحدة رائداً إقليمياً
تماشياً مع الاتجاهات العالمية الحالية، تسعى دولة الإمارات إلى رفع مستوى المنافسة عندما يتعلق الأمر بالتكنولوجيا والابتكار في جميع القطاعات، بما في ذلك قطاع الطيران.
في نيسان/أبريل الماضي، أجرت شركة الاتحاد للطيران تجربة على تقنية "سكاي لايتس" الترفيهية للواقع الافتراضي الجوي Aero VR في صالتها للدرجة الأولى والنادي الصحي وصالة درجة رجال الأعمال الممتازة في مبنى المسافرين رقم 3 في مطار أبوظبي الدولي. هدفت التجربة التي استمرت لشهر كامل إلى الحصول على تعليقات وآراء العملاء لتحديد مستقبل شركة الطيران فيما يتعلق بجوانب الترفيه المقدمة في مبنى مطار أبوظبي الرئيسي. وفي معرض حديثها عن التجربة، صرّحت ليندا سليستينو نائب الرئيس لشؤون تطوير وتقديم تجارب الضيوف في «الاتحاد للطيران» في بيان صحفي: «نبحث بشكل دائم عن طرق لتحسين خدماتنا وعروض الضيافة المقدمة من خلال التكنولوجيا المبتكرة وإضفاء الطابع الخاص بحسب احتياجات العملاء. عن طريق إجراء تجارب كهذه، ندرك بالفعل أن المسافرين المعاصرين يتوقعون المزيد من المعلومات ويتطلعون باستمرار إلى تجارب تفاعلية وغامرة يمكنها أن تشبع شغفهم وتمدّهم بالترفيه على جميع المستويات. لم تعد الصالة الممتازة في يومنا هذا تقتصر فقط على التصميم المريح والمرافق الفاخرة والطعام الشهي». وبحسب ليندا سليستينو، من شأن هذه التقنية أن تضفي طابع الخصوصية وتقدّم الحلول الترفيهية الشاملة لكافة العملاء من جميع أنحاء العالم.
تسعى أيضاً شركة طيران الإمارات إلى احتلال مكانة بارزة بصفتها رائدة في هذا المجال. فقد قامت شركة النقل الجوي بتجربة سماعة الرأس السينمائية من "سكاي لايتس" في آذار/مارس الماضي في صالات مطار دبي لتقديم تجربة سينمائية لعملائها. تمّت تجربة النظارات في صالة درجة رجال الأعمال في الكونكورس B في نيسان/أبريل الماضي وفي صالة الدرجة الأولى في الكونكورس B في أيار/مايو الجاري.
قدّمت التجربة للمسافرين محتوى ثنائي وثلاثي الأبعاد على شاشة ثابتة مجهزة بزاوية رؤية واسعة ونظارة "سكاي لايتس" السينمائية، مع تجربة مشاهدة كاملة بتقنية عالية الدقة. تتميز النظارة بالصوت والفيديو المدمجين الذين يقدّمان للعملاء تجربة غامرة في المحتوى الذي يشاهدونه. تتوفر تشكيلة مختارة من محتوى الأفلام الروائية والأفلام الوثائقية، بما في ذلك مقاطع فيديو بتقنية 360 درجة.
وفي مقابلة خاصّة مع ومضة، أفاد متحدث رسمي من شركة طيران الإمارات بأن هذه الخدمة الترفيهية المجانية قد تلقت ردود فعل إيجابية. كما ذكر أيضاً أنه إذا استمرت التجربة في تلقي ردود فعل إيجابية من العملاء، فستعمّم الخطوط الجوية استخدامها في الصالات السبع في دبي.
وأضاف المتحدث الرسمي: «بعد تقييم عدد من الأفكار والموردين، أثبتت نظارة سكاي لايتس المسرحية والمبتكرة في صالاتنا بأنّها تجربة ممتازة وقيمة». وشرح قائلاً إن شركة النقل الجوي تسعى دائما للبحث عن وسائل مبتكرة لمفاجأة عملائها وإسعادهم من خلال خدماتها الممتازة والعروض التي تشمل خيارات واسعة من المأكولات الفاخرة ومرافق الاستحمام والمنتجع الصحي وأماكن اللعب المخصصة للأطفال. ويستطرد المتحدث الرسمي قائلًا: «كانت الخطوة التالية هي الاستفادة من التكنولوجيا من أجل تقديم تجربة سينمائية غامرة». فلن يقتصر استخدام الشركة للواقع الافتراضي على الترفيه فحسب، بل هي تبحث في مختلف جوانب قطاع الطيران التي يمكن تطبيق تقنيات الواقع الافتراضي فيها لتحسين تجربة العملاء سواء على الأرض أو في الجو.
يؤكد شوجات ميرزا أن الواقع الافتراضي يمكن أن يتجاوز حدود الترفيه إلى مجالات أبعد من ذلك بكثير. وهو يعتقد أنّه على الرغم من قيام شركتي طيران الإمارات والاتحاد للطيران بإطلاق مزايا الواقع الافتراضي الترفيهية في صالاتهم بالمطارات، ثمة الكثير ممّا يمكن تحقيقه في المجالات الأخرى. على سبيل المثال، يمكن استغلال الواقع الافتراضي للتواصل مع العملاء. وقد تكون هذه التقنية مفيدة أيضاً في تدريب الموظفين، كما أضاف، «علمنا أن طيران الإمارات تستثمر في نظارات الواقع الافتراضي لطاقمها ممّا يعتبر أخباراً سارّة أيضاً، ولكننا سنرى لاحقاً كيف سيتم استخدامها على أرض الواقع».
أين وكيف يُستخدم الواقع الافتراضي؟
أثناء انعقاد معرض سوق السفر العربي، وهو أحد المؤتمرات الإقليمية الكبرى المعنية بصناعة السفر، جهّز طيران الإمارات مقاعده بالواقع الافتراضي لاصطحاب زواره في رحلة. يعتقد ميرزا أنه يمكن استخدام الطريقة ذاتها لتزويد المسافرين بتجربة غامرة كتجربة درجة رجال الأعمال الممتازة أو الرحلات الترفيهية لتمكينهم من القيام بجولة افتراضية يستكشفون من خلالها سبل الراحة أو المواصفات الشاملة المخصصة لمقعد معين على متن الطائرة دون الحاجة إلى شراء تذكرة، وهو ما يماثل إلى حدٍّ كبير ما فعلته شركة "لوفتهانزا". سيشجع ذلك المسافرين، أو يلهمهم، للحجز مع شركات الطيران من أجل الخدمة أو التجربة التي تقدمها. كما سيخفف الواقع الافتراضي من ملل أوقات الترانزيت والانتظار، وسيحوّل المطارات إلى وجهة يفضلها المسافرون ويتوقون إليها.
الشركات الناشئة مدعوة للمشاركة
بدأت شركات ناشئة عدة في تطوير منتجات الواقع الافتراضي في دولة الإمارات العربية المتحدة، لكنها لا تستهدف صناعة الطيران بشكل خاص. من بين هذه الشركات «جيجا ووركس GigaWorks» وهي عبارة عن وكالة لإنتاج أفلام الواقع الافتراضي وصناعة المحتوى، و«تيك ليب TAKELEAP» وهي شركة ناشئة تنتج محتوى الواقع الافتراضي والواقع المعزز، و«إيفنتاجرات Eventagrat» التي تطوّر المحتوى الإقليمي، و«بير كويست PearQuest» وهي وكالة تنتج المحتوى الغامر. وبحسب ميرزا، لا تزال العلامات التجارية تعتمد على إسناد متطلبات الواقع الافتراضي إلى شركات أخرى في الولايات المتحدة وأوروبا والمملكة المتحدة - وهذا يفسر شراكة كلا مؤسستي النقل (الاتحاد والإمارات) مع "سكاي لايتس".
ويختتم ميرزا حديثه قائلاً: «لطالما كانت حكومة دولة الإمارات مشجعة للغاية وتقود المبادرات لتعزيز البيئة الحاضنة لريادة الأعمال في مجالي الواقع الافتراضي والواقع المعزز».
مستقبل التكنولوجيا على متن الطائرات
بحسب طيران الإمارات، فإن التكنولوجيا تعيد تشكيل معالم صناعة الطيران وتتبنى شركة الطيران التكنولوجيا الجديدة للتفاعل مع عملائها بأساليب غير مسبوقة. وقال المتحدث الرسمي عن ذلك: «مثلاً، كنا نعمل على مبادرات تقنية بالتعاون مع شركائنا في قطاع الطيران والجهات المعنية لتسريع خطوات المشاريع التي ستمكننا من مواجهة التحديات وتحسين رحلة عملاء طيران الإمارات في مركزنا بدبي». ونتيجة لذلك، سيبدأ المسافرون في التمتع بتجربة أكثر سلاسة وإرضاء في المطار مع تطبيق مبادرات مثل تكنولوجيا القياسات الحيوية وبوابات مراقبة الحدود المؤتمتة الحديثة «ABC gates». كما تعمل الشركة أيضاً على بناء أول مختبر تجريبي في العالم على نطاق القطاع بأكمله «Experimental (X) Lab» للمساعدة في بناء منظومة نقل جديدة.
يؤمن ميرزا بأن الواقع المعزز سيحدث ثورة في عالم الشركات وسيغيّر في نهاية المطاف من معدلات تدريب وتعلم الموظفين. كما أن الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا)، الجهة الرائدة في تقديم البرامج التدريبية في مجال الطيران، هو أيضاً من أشد المؤيدين لهذه الفكرة. فالاتحاد الدولي يدرس هذه التقنية منذ أواخر عام 2016 وقام بتطوير «رامب في آر» RampVR» - وهو أحد حلول التدريب بتقنية الواقع الافتراضي للعمليات الأرضية. إن المستقبل يحمل بوضوح وعوداً بمزيدٍ من الابتكار والتفاعل، سواءٌ على الأرض أم في الجو.