عربي

الواقع المعزّز والطبّ: هل الشرق الأوسط جاهزٌ لذلك؟

English

الواقع المعزّز والطبّ: هل الشرق الأوسط جاهزٌ لذلك؟

مستقبل الطبّ؟ (الصورة من Medical Augmented Reality)

في الغالب، لا يعرف الناس في البلدان النامية أو المناطق النائية الرعاية ما بعد الجراحة، ولكن استخدام الواقع المعزّز خلال العمليات يمكن أن يغيّر هذا.

في نيسان/أبريل الماضي، أصدرَت المجلّة الطبّية "ذا لانست" The Lancet تقريراً ورد فيه أنّ ثلثَي سكّان العالم لا يستطيعون الحصول على عمليّاتٍ جراحيّةٍ آمنة وبأسعار معقولة، مهما كانت بسيطة الإجراءات.

في المقابل، تتزايد خياراتٌ يمكن أن تجعل مثل الإحصاءات التي أوردَتها "ذا لانست" جزءاً من الماضي، والأبرز منها تلك التي تعتمد على الواقع المعزّزaugmented reality (AR)  في حجرة العمليات.

 وبالانتقال إلى الشرق الأوسط، فإنّ عدّة بلدانٍ في هذه المنطقة قد اجتاحتها الصراعات. وفي سوريا لوحدها تفيد التقارير أنّ أكثر من 460 شخصاً عاملاً في مجال الطبّ قد فُقدوا منذ عام 2011، وفقاً لمنظّمة "أطباء من أجل حقوق الإنسان" Physicians for Human Rights.

وحتّى لو تمّ نقل الضحيّة إلى المستشفى وخضعَت لعمليةٍ جراحية، فإنّ متابعة المريض بعد العملية تتضال بمجرّد خروجه من المستشفى. إذاً، كيف يمكن تحسين هذا الوضع؟

الواقع المعزّز

الواقع المعزّز AR ليس محصوراً بلاعبي ألعاب الفيديو ولا حتّى بالتسويق لمحلّات بيع المفروشات والأثاث، بل هو يمكن أن يغيّر كلّيّاً عالم الطبّ من الجانب الفعليّ والتدريب.

وبالنسبة إلى عمله، فإنّ الفكرة الأساسية للواقع المعزّز هي أنّ الرسومات التي تترافق مع الصوت والتحسينات الحسّية الأخرى، يتمّ إظهارها في بيئة العالم الحقيقي في الوقت الحقيقي.

شرح مفصّل لكيفية عمل الواقع المعزّز. (الصورة من Video via Ted Talks)

على سبيل المثال، إذا أردت أن تعرف كيف ستبدو الكنبة في الصالون، يمكنك استعمال هاتفك أو الحاسوب اللوحيّ لـ‘إنشاء‘ كنبةٍ خياليةٍ ضمن خطّ رؤيتك، ما يجعلها تبدو وكأنّها موجودةٌ فعلاً في هذا المكان.

يا للإمكانات التي بات يتمتّع بها الديكور المنزليّ! (الصورة من IKEA)

وفقاً للدراسة التي قامت بها "لانست"، فإنّه يوجد 143 مليون عمليةٍ بسيطة يتعيّن القيام بها سنوياً، وهي تتطلب نحو 2.2 مليون موظّف. ومع تطبيق الواقع المعزّز للرعاية الصحّية عن بعد، مثل الذي تقدّمه الشركة الناشئة "فيتاكس" VITAAX، سوف توجد طريقةٌ لمعالجة هذه المسألة.

بدأ مؤسِّس "فيتاكس"، طلال علي أحمد، باستعمال الواقع المعزّز عند بدئه العمل مع الجمعية الخيرية الدولية "جلوبال سمايل فاوندايشن" Global Smile Foundation. ففي تلك الأثناء، وبعد مشاهدة كيف يعمل الجرّاحون على إصلاح الشقوق في الحنك والشفاه [الشفة الأرنبية مثلاً] لدى الأطفال المحرومين، وجد علي أحمد أنّ هناك مشكلة رئيسية: يُجري الأطبّاء عملياتهم ويذهبون، تاركين وراءهم الأطفال المرضى الذين يحتاجون لاستمرار الرعاية الصحّية بعد العملية ولكنّهم لم يحصلوا عليها.

وفي حديثٍ مع "ومضة"، قال مهندس الكهرباء من مقرّه في بوسطن إنّه فيما يختصّ بمتابعة المرضى، غالباً ما يتحدّث الأطبّاء أو الطاقم الطبّي مع الجرّاحين عن طريق الهاتف أو "سكايب" Skype.

ونتيجة لذلك، خرج علي أحمد بحلٍّ يمكن أن يُستخدَم في كلٍّ من العمليات الفعلية، الرعاية بعد العملية.

في حجرة العمليات ولكن عن بُعد، الجرّاحون في العمل. (الصورة من VITAAX)

يقول هذا الرياديّ: "لقد بنيتُ برمجيّةً وعملتُ مع جرّاحين لتحديد الميزات التي يحتاجونها." فخلال الاختبار الميداني الأوّليّ، سيكون على الجرّاحين أن يرتدوا "نظّارات جوجل" Google Glass، والتي من شأنها أن تُظهِر صورة واقعٍ معزّز فوق المنطقة التي يعملون عليها.

والجرّاح الذي يعمل عن بعد في مدينة نيويورك مع جهاز الحاسوب، سوف يوجّه الجرّاح المحلّيّ باستخدام الرسم المباشر على جهاز الحاسوب الخاصّ به. وهذا الرسم سيُحال بعد ذلك إلى جهاز أو شاشة الجرّاح المحلّيّ.

أمّا الخيار الثاني الذي ما زال قيد التطوير، فيكمن في استخدام كاميرا عالية الدقّة عن بعد موضوعةٍ في أيدي الجرّاحين، وبهذه الطريقة سوف يقوم البرنامج بدمج يد الجرّاح التي تعمل عن بعد وفيديو المريض. وعندئذٍ، سوف تظهر الصورة على حاسوب الجرّاح المحلّي أو شاشاته.

وفي الوقت نفسه، سوف توضع أجهزة طبّية قابلة للارتداء على جسد المريض، من أجل التقاط الإشارات الحيوية أو المعلومات الطبّية اللازمة خلال العملية.

الاختبار الميدانيّ الأوّليّ تمّ في كلٍّ من الإكوادور والسلفادور عام 2014، كما أنّ جمعية "جلوبال سمايل فاوندايشن" وعلي أحمد قد بدءا بالتواصل مع غسان أبو ستة، الجرّاح في "المركز الطبي في الجامعة الاميركية في بيروت" AUB MC.

أداةٌ حديثةٌ جدّاً للتدريس

يتمّ استعمال تقنية الواقع المعزّز AR في بعض البلدان كأداةٍ ذات تكلفةٍ فعّالة، في تعليم طلاب الجراحة.

ومن الأمثلة على ذلك، تطبيق "تاتش سيرجري" Touch Surgery الذي يمنح درجاتٍ في الدقة والمعرفة، ويسمح للجرّاحين بممارسة الإجراءات التي تتراوح بين جراحة القلب وعمليات النفق الرسغي.

أطلق هذا التطبيق جرّاح تجميلٍ لبنانيّ مغترب يستقرّ في المملكة المتّحدة، وهو جان نعمة الذي قال لـ"ومضة" إنّهم ترجموا التطبيق مؤخّراً إلى اللغتَين الإسبانية والصينية، مشيراً إلى أنّ معظم طلّاب الطب والموظّفين في الشرق الأوسط كانوا يعملون باللغة الإنجليزية.

وفي الولايات المتّحدة الأميركية، يوجد تطبيقٌ يُدعى "سيم إكس" SimX يستخدم تقنية الواقع المعزّز كأداةٍ للعمليات الجراحية.

في وقتٍ لا يوجد فيه إحصاءاتٌ حقيقيةٌ عن منافع استخدام الواقع المعزّز في المجال الطبّي، أو إذا كان يمكن أن يكون نافعاً، فإنّ الشركة الاستشارية التي تستقرّ في سان فرنسيسكو، "ديجي كابيتال" Digi-Capital، قدّرَت أن يصل حجم مجالَي الواقع المعزّز Augmented Reality والواقع الافتراضي Virtual Reality، إلى "150 مليار دولار بحلول عام 2020، مع 120 ملياراً [من العائدات] للواقع المعزّز."

وفي وقتٍ سابقٍ من هذا العام، كان "فايسبوك" Facebook قد اشترى شركة "أوكولوس" Oculus التي تستقرّ في كاليفورنيا وابتكرَت "ريفت" Rift وهو جهاز الواقع الافتراضيّ الذي يوضع في الرأس. وفي إطار التطلّع إلى مستقبل الجهاز بعد 5 أو 10 سنوات، قال مارك زوكربرغ: "إنّنا سنعمل على جعل ‘أوكولوس‘ منصّةً لتجارب أخرى متنوّعة..."، وكان الحديث وجهاً لوجهٍ من تلك التجارب.

من جهته، يرى أبو ستة كجرّاح تجميل أنّ استخدام الواقع المعزّز AR سيكون أمراً مثالياً لمجاله. وعلاوةً على ذلك، فهُم يخطّطون الآن لاستخدام التطبيق في مستشفيَين آخرَين في المنطقة، من بينها مستشفى "الشفاء" في غزة.

وكان أبو ستة قد أدرك قيمة الأعمال التي تتمّ عن بُعد ومع/أو بواسطة الإنترنت بالنسبة للطبّ، بعد الحرب في غزّة بين عامَي 2008 و2009. ويقول لـ"ومضة": "لقد حاولنا القيام ببرامج تدريبٍ للأطبّاء هناك، ولكن بسبب الحصار فإنّ الذين عملوا حقّاً هم الذين يعملون عبر الإنترنت."

من ناحيةٍ أخرى، وبالنسبة للتكلفة، يقدّر علي أحمد سعر تطبيق "فيتاكس" أن يتراوح بين 1500 و2500 دولارٍ في الشهر، إضافةً إلى الرسم الأوّلي للتركيب 2500 دولار.

مفهومٌ جديدٌ جدّاً

في حين أنّ استخدام الواقع المعزّز في القطاع الطبّيّ قد لا يزال فكرةً جديدة، يتمّ اعتماده بسرعةٍ في المنطقة لاستخداماتٍ أخرى.

يقول مؤسِّس "بيكسل باغ" Pixelbug التي تستقرّ في دبي ورئيسها التنفيذيّ، داني عيد، في حديثٍ مع "ومضة": "لقد كنّا نشيطين كثيراً." ويضيف عيد الذي أطلقت شركته تطبيق الواقع المعزّز التعليميّ، "كولور باغ" Colorbug، أنّ النشاط ازداد في هذا القطاع إلّا أنّه ما يزال قطاعاً حديث العهد، لافتاً إلى اعتقادهم بأنّ عام 2016 سيكون عام النموّ الحقيقيّ له.

عمل تطبيق "كولورباغ". (الصورة من Pixelbug)

ويتابع عيد قائلاً إنّ هذه التقنية "ليست متوفّرةً على نطاقٍ واسع، بل هي على درجةٍ عاليةٍ من التخصّص وأسعارها تتغيّر تبعاً لتعقيد التطبيق." فشركة "بيكسل باغ" التي لا لا تعمل خصّيصاً لزبائن من المجال الطبّي، تمّ تكليفها لإنشاء واقعٍ افتراضيّ مخصّصٍ بالكامل لشركة أدويةٍ عالميةٍ هي "بورنغير إنغلهايم" Boehringer Ingelheim.

في هذا الوقت، تعمل مسرّعة الأعمال "تورن8" Turn8 في دبي مع شركةٍ ناشئةٍ جورجية تُدعى "إن جلوف" InGlove. هذه الشركة تطوّر قفّازاتٍ تسمح للمستخدِم بتحريك يديه والإحساس بالأشياء التي تظهر في عملية المحاكاة بالحاسوب.

ويقول ديمتري تسخوفريبادزي Dimitri Tskhovrebadze من "إن جلوف"، لـ"ومضة"، إنّه من خلال تجربته في المنطقة تبدو الإمارات "الأكثر اهتماماً بمجالات الواقع المعزّز AR والواقع الافتراضيّ VR." وبدعمٍ من "معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا" في أبو ظبي (بالتعاون مع "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" MIT)، أُعطِيَت شركة "إن جلوف" حقّ الاستفادة الكاملة من مختبرات المعهد. ويضيف المؤسّس قائلاً "نعتقد جميعاً أنّ الواقع المعزّز والواقع الافتراضيّ هما مستقبل التواصل."

ولكن لا يوجد كثيرٌ ممّن يعتقدون بالأمر نفسه.

في حين تخضع "إن جلوف" للتسريع في الشرق الأوسط، لا يرى فريقها هذه المنطقة على أنّها سوقٌ مستهدَفة. بل يسعى هؤلاء إلى حيث يعتقدون أنّه يوجد معدّلٌ أعلى لاعتماد مثل هذه التقنيات، أي إلى الولايات المتّحدة.

يقول عمر ساطي من شركة الاستثمار الأردنية "داش فينتشرز" DASH Ventures: "أعتقد أنّ الواقع المعزّز جديرٌ بالتتبّع عن كثب بكلّ تأكيد، أعتقد أنّ العنصر الأساسيّ هو مدى التفاعلية التي تتحلّى بها تقنية الواقع المعزّز." ويضيف أنّه إذا "أمكن للناس أن يتفاعلوا معها ليس كتقنيةٍ للتوضيح وحسب، مثل الهولوغرام (تجسيم الصور الثلاثية الأبعاد)، فسوف يكون لها إمكاناتٌ غير محدودة."

من جهةٍ أخرى، فإنّ التطوّرات التقنية التي لا تمتلك أيّ صِلاتٍ واضحةٍ مع الطبّ، قد ينتهي بها الأمر لأن تصبح أساسيةً في هذا القطاع. وفي هذا الإطار، يشير أبو ستة إلى تطبيق "واتساب" WahtsApp الذي أصبح أداةً أساسيةً في أيدي الأطبّاء في سوريا.

ويقول هذا الأخير لـ"ومضة": "إنّنا نشهد انهيار غالبية القطاعات الصحّية في جميع أنحاء العالم، لذلك ينبغي علينا وضع آلياتٍ للدعم، وهذه هي الخطوة التالية في تطوّر قطاع الطبّ عن بعد telemedicine."

Thank you

Please check your email to confirm your subscription.