English

كيف بنى خمسة مراهقين أحد أكبر المواقع الالكترونية في الجزائر

English

كيف بنى خمسة مراهقين أحد أكبر المواقع الالكترونية في الجزائر

بدأت قصة الموقع الثامن من حيث أكبر عدد الزيارات الالكترونية في الجزائر منذ ثماني سنوات، عندما عزمت الشرطة على إغلاق سوق شعبية في إحدى الضواحي. وكانت هذه السوق قد نشأت باطّراد منذ عقود، في شارع يسمّى واد كنيس في ضاحية القبة الجزائرية. هناك، كان بإمكان الناس أن يبيعوا ويشتروا ويتبادلوا أي شيء يمكن تخيّله، من أجهزة التلفزيون إلى السجّاد. ويذكره مهدي بوزيد بالقول "لقد كان جميلاً حقّاً."

منذ حوالي عام 2006، وكما العديد من المراهقين في الجزائر، تمنّى بوزيد وأصدقاؤه الأربعة هشام سودة وأمين بن موفق وأحمد بو أمينة وجميل الدين ديب أن يكون لهم مدوّنة. كان لدى هؤلاء بالفعل فكرة مسبقة عن إنشاء منصّة مخصصة للأصدقاء، ولكن إغلاق سوق واد كنيس دفعهم للإسراع في تنفيذ مخطّطهم. فاتخذوا من مقهى انترنت قريب مقرّاً، وأنشأوا موقعهم الالكتروني الذي أسموه وادكنيس Ouedkniss، كتحية للأسواق الشعبية التي يشعرون بأنها لعبت دوراً مهماً في هوية الجزائر.

من اليسار إلى اليمين، هشام سودة، أمين بن موفق، مهدي مونس بوزيد وجميل الدين ديب، في عامَي 2006 و2014.

يشير بوزيد إلى أنهم في تلك المرحلة لم يفكّروا في جني المال. ويقول إنه "في العام 2006، لم يكن هناك كثير من المواقع الالكترونية الجزائرية، بل كان يوجد عدد قليل من مدوّنات "سكاي بلوغ" Skyblog (منصة مدوّنات حظيت بشعبية في ذلك الوقت بين الناطقين بالفرنسية في جميع أنحاء العالم)، وبعض المنتديات وقليل من مواقع المعلومات. كان كلّ ما أردناه هو ترك بصمتنا على الانترنت."

من حديث الناس إلى التسويق الالكتروني

لم يكن يحظى الموقع في سنته الأولى بأكثر من عشرين زائراً يومياً، إضافة إلى بعض المبوّبات المنشورة من قبل الأصدقاء. ومع ذلك، أخذ الأمر ينتشر تدريجياً. ففي العام 2007، دُعي الفريق إلى واحدة من أولى فعاليات التسويق الإلكتروني e-marketing  في الجزائر، فسجّل عندها موقع وادكنيس نحو ألفي زائر في يوم واحد. إذ يذكر بوزيد هذا الأمر بالقول "كان هذا قياسياً بالنسبة لنا."

لمحة من العام 2006.
عند دخولهم الجامعة، شهد الأصدقاء الخمسة نمواً حقيقياً في أعداد زائري الموقع؛ فكل واحد منهم استطاع بسهولة استقطاب المئات من الطلاب. أولائك شكلوا الهدف الأمثل في ذلك الوقت، بحيث كانوا مهتمّين بالإمكانيات التي يوفرها الإنترنت، بالإضافة إلى أنهم أرادوا تجربة شيء جديد. وهكذا سرعان ما انتشر الخبر بسرعة خارج الجامعة، وأصبح الموقع ظاهرة بنفسه.

يقول المؤسس إن "العديد من الناس قاولوا لنا إنهم بدأوا باستخدام الإنترنت بسبب موقع وادكنيس." ويضيف أنه على وادكنيس أيضاً، اشترى كثيرون أغراضاً للمرة الأولى أونلاين، أو بحثوا عن شقة أو سيارة للمرة الأولى.
بعد ثلاث سنوات من تطوير منتجهم وإدخال التعديلات عليه، والسماح للجزائريين بأن يكون وادكنيس خاصاً بهم، قرّر الأصدقاء الخمسة تكثيف عملهم. وبدأوا بعد ذلك بتسويق الموقع لدى مستخدمي الانترنت، وسواهم ممّن لم يصلوها بعد. وبخلاف نظرائهم المغربيين الذين اعتمدوا بكثافة على التلفزيون واللوحات الاعلانية لجذب من لا يستخدم الانترنت، فإنهم ركّزوا على إعلانات الإنترنت وعلى فايسبوك لتسويق الخدمة. ويفسّر بوزيد ذلك بالقول "يمكنك العثور على مواطنين جزائريين لا يملكون بريداً الكترونياً أو لا يستخدمون الانترنت، لكنهم يستخدمون فايسبوك، لهذا قررنا أن نستهدفهم."

لا استعجال للتمويل

أخذ الأصدقاء الخمس وقتهم قبل تمويل الموقع. وذلك لأنهم كطلاب، كانوا مهتمين بتحقيق شيء ما وبنائه أكثر من أن يصبحوا أغنياء.

أطلقوا عروضهم عام 2009، وهي عبارة عن اشتراك شهري يمنح المختصّين متجراً على الإنترنت مع عدد محدّد من الإعلانات المبوّبة. فواجهوا في البداية اعتراضات من بعض المستخدمين، الذين لم يكونوا جاهزين بعد لدفع المال مقابل خدمة اعتادوا الحصول عليها مجاناً. ولهذا عمل الفريق على تخفيض الأسعار إلى 1000 دينار جزائري لمئة إعلان، (في ذلك الوقت كانت 10 دنانير جزائرية تساوي 0,12 دولاراً أميركياً). يعلّق بوزيد على الأمر، أنه "كان رخيصاً جداً بحيث لم يستطع الناس رفض العرض."

في نهاية العام 2011، لم تعرف الشركة الناشئة سوى مئة بائع محترف. ولكن النسخة الثانية اعتُبرت أنجح، حيث نقل الفريق مقرّ عمله وقام بتوظيف مندوب مبيعات للوصول إلى أصحاب متاجر الانترنت في مقارّهم. فكان أن ارتفعت أرقام متجر وادكنيس في سنة واحدة، ستة أضعاف تقريباً.

بطبيعة الحال، لم تكن المتاجر الوسيلة الوحيدة للتمويل التي اكتشفها الفريق، إذ أنهم في العام 2010 بدأوا ببيع الإعلانات على موقعهم. ولكنها "أخذت منا وقتاً طويلاً" كما يقول المؤسس بحسرة، مضيفاً "حاولتُ [إدارة مبيعات الاعلانات] بنفسي من العام 2009 حتى 2010، لكنني استسلمتُ في النهاية." وهو يشرح أن المعلنين لم يكونوا يعرفون الإنترنت، "فلقد كانوا قديمي الطراز ويظنون أن الإنترنت ليس جدّياً بما فيه الكفاية." أما الآن، فإن هذه الشركة الناشئة أمّنت مساعدة خارجية لهذا العمل من قبل بعض الشبكات الاعلانية.

يعترف المؤسس أن الأمور باتت أفضل الآن، وذلك بفضل طاقم موظفي الإعلانات الشاب بالإضافة إلى طفرة الإنترنت، إلّا أن المعلنين لم يألفوا ثقافة الويب بعد. ويركّز على أن كثيرين ما زالوا يرفضون القيام بحملة CPM (أي حيث يدفع المعلنون بالوحدات لكل ألف مشاهدة) ويصرّون على احتساب الدفع باليوم. ولكن بالرغم من هذه الصعويات، يقول إن الموقع أصبح مربحاً أكثر من أي وقت ابتداءً من العام 2011.

رؤية لعشر سنوات

بعد ثماني سنوات من الصبر والمثابرة، يفخر موقع وادكنيس ب 250،000 زيارة في اليوم. وهو كموقع جزائري، يُعدّ الأول من نوعه الذي يحصل على هكذا أرقام. ولكن بإلقاء نظرة سريعة على البلدان المجاورة، وبوجود لاعبين دوليين ورئيسيين مندمجين في المغرب، وفي ظل غزو موقع "طيارة" لصاحبه شيبستد Schibsted لتونس، هل يتوقع أحدٌ أن يبقى وادكنيس المموّل ذاتياً مستقلاً لفترة طويلة؟
في هذا الشأن، يقول بوزيد "تلقينا عروضاً معظمها من الشرق الأوسط، تعود للعام 2008." ويتابع شارحاً "لا نفضّل فكرة أن يكون لدينا مستثمرون، لأن لدينا رؤيتنا لما يمكن أن يكون عليه وادكنيس بعد عشرة سنوات."
وبالفعل، يبدو أن الأصدقاء الخمسة قد بدأوا بتنويع مشاريعهم، فأصبح لديهم قسم للسفر حيث يمكن للمستخدم حجز الرحلات على الإنترنت، بالإضافة لإطلاق موقع مخصص للسيارات أوتوبيب Autobip.

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.