English

إيجابيات وسلبيات المسؤولية الاجتماعية للشركات

English

إيجابيات وسلبيات المسؤولية الاجتماعية للشركات

هل تتعارض المسؤولية الاجتماعية للشركات مع دوافع الربح؟ (الصورة من "بيزنس ريفيو يوروب" Business Review Europe).

تطوّر مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات CSR من دافع العمل الخيري.

وتفسّره إحدى التعاريف الحالية على أنّه مفهومٌ يقوم على العمل التطوّعي الذي يدمج بين الاهتمامات الاجتماعية والبيئية مع العمليات التجارية، ولكنّ هذا لا يعني بأنّ المسؤولية الاجتماعية للشركات هي عملٌ خيريّ.

بل هي تتمحور حول طرق تعامل الشركات مع موظّفيها، وطرق إنتاج السلع وتسويقها، والتفاعل مع مختلف المعنيين، وكيفية أداء الأعمال اليومية.

النقاش حول المسؤولية الاجتماعية للشركات والحاجة إليها أبعد ما يكون عن الحلّ، وفي حين تنطلق الحجج المؤيّدة من المنافع طويلة الأمد بالنسبة إلى الشركات، فإنّ الانتقادات ترى أنّ تخصيص الموارد خارج الأعمال الأساسية للشركة هو استراتيجية غير فعّالة.

معارضة المسؤولية الاجتماعية للشركات

وفقاً لخبير الاقتصاد ميلتون فريدمان، فإنّه "يوجد مسؤولية اجتماعية واحدة ووحيدة للشركات، وهي استخدام مواردها والانخراط في أنشطةٍ مصمّمة لزيادة أرباحها طالما تبقى ضمن قواعد اللعبة، ما يعني المشاركة في منافسةٍ مفتوحةٍ وحرّة من دون غشٍّ أو خداع."

ومن الأمثلة الجيدة على تلك الفلسفة، قرار ألفريد سلون بعدم استخدام زجاج الأمان في شركة "شيفروليه" Chevrolets في عام 1929، خلافاً للاعتبارات الأخلاقية: قام بذلك لتجبّب انخفاض الدخل الصافي bottom line للشركة، مشيراً إلى أنّه "ليس من مسؤوليتي بيع زجاج الأمان، فنحن لسنا مؤسّسةً خيرية - بل نحاول تحقيق الأرباح للمساهمين لدينا."

بالإضافة إلى ذلك، يتساءل النقّاد عمّا إذا كانت الشركات لديها المهارات أو الوقت اللازم للانخراط في العمل الاجتماعي أو البيئي. فالمديرون المدرّبون لتشغيل الشركات يفتقرون إلى المعرفة اللازمة لاتّخاذ القرارات الاجتماعية أو البيئية، ما يعني أنّ النتيجة ستكون كارثيةً على الشركة وأموال المساهمين.

ويرى آخرون أنّ الأنشطة الاجتماعية والبيئية هي من مسؤولية الحكومات وليس الشركات. وفي الوقت الذي تُوجَّه فيه أموال دافعي الضرائب نحو مشاريع اجتماعية يديرها عدّة ممثّلين منتخَبين (من المفترَض) أن يتّخذوا قراراتٍ مسؤولة، فإنّ مديري الشركات لا يمكن الوثوق بهم لتوّلي المسؤوليات عينها بأنفسهم، كما أنّ "استخدام موارد الشركات من أجل أهداف اجتماعية يصل بالمديرين إلى التعدّي على الوظائف السياسية."

تتعزّز هذه الأفكار أيضاً من خلال حقيقة أنّ الحكومات، في بعض الأحيان، تمتلك القدرة على فرض بعض التشريعات التي تحدّ من منافسة الشركات التي تتبنّى مفهوم المسؤولية الاجتماعية من قبل تلك التي لا تتبنّاها. ولكن يبقى السؤال هنا في كيفية التعامل مع المنافسة الدولية، إذا اضطرّت بعض الشركات أن تتماشى مع التشريعات والقوانين في بلدانها، في حين لا يفعل سواها ذلك.

دعم المسؤولية الاجتماعية للشركات

يقول أنصار المسؤولية الاجتماعية للشركات إنّها يمكن أن تعود بفوائد اقتصادية على الشركة، وهو ما يمكن تبريره من خلال عدّة عوامل.

من الأمثلة التي يمكن فيها للاهتمام بالجوانب الاجتماعية والبيئية أن يُترجَم إلى قيمةٍ مالية، التأثير [الإيجابي] على سمعة الشركة وعلامتها التجارية. يقدِّر "معهد تقييم السمعة" The Reputation Institute أنّ المسؤولية الاجتماعية للشركات تؤثّر على 40% من قيمة صورة العلامة التجارية؛ هذا رقمٌ مرتفعٌ بالنظر إلى أنّ العلامات التجارية قد تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، وهو قد يشكّل نسبةً كبيرةً من أصول ميزانية الشركة.

ومن الحجج الأخرى التي تصبّ في صالح المسؤولية الاجتماعية للشركات هي الرابط العاطفي الذي يمكن أن ينشأ مع بعض الجهات المعنية، إذ على سبيل المثال، قد يروق العمل التطوّعي في دعم حقوق الحيوان لبعض المستهلِكين الذين يهتمّون لهذه القضية.

وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ الصورة الإيجابية للشركة قد تجذب المزيد من الباحثين عن عمل، وتساعد على زيادة شعور الموظّفين الحاليين بالفخر، وبالتالي تحسين أدائهم وحثّهم على البقاء في الشركة.

من المهم للشركات اختيار أنشطة المسؤولية الاجتماعية التي تسمح لها أن تساهم بأفضل طريقةٍ ممكنة، وتوفّر لها إمكانية الاستفادة من هذا المشروع. (الصورة من "ريم.في" rym.fi)

وبَعد، تصل الحجج الداعمة للمسؤولية الاجتماعية للشركات إلى تفضيلها عن تدخّل الحكومة، لأنّ الحكومات قد تعجز عن تنفيذ بعض التشريعات والقوانين.

ففي البلدان النامية على سبيل المثال، حيث لا وجود لنظم قانونية قوية، لا يوجد وسيلة لتنظيم عمل الشركات الكبرى. وبالتالي قد تكون البحوث الدقيقة المجزية مكلفةً وتشكّل عبئاً على الاقتصادات حتّى في بعض البلدان المتقدّمة.

وعلاوةً على ذلك، يمكن أن تكون الحكومات في بعض الأحيان أقلّ كفاءةً من القطاع الخاصّ، ما يؤدّي إلى سوء رعايتها للمشاريع الاجتماعية والبيئية وغيرها من مشاريع المسؤولية الاجتماعية للشركات؛ وتصبح هذه المشكلة أكثر وضوحاً عندما تكون الحكومات فاسدة.

لقد بدأت بالفعل شركاتٌ مثل "جوجل" Google و"نستله" Nestlé و"آي بي إم" IBM و"يونيليفر" Unilever و"وول مارت" Walmart، بالبحث عن كيفية المواءمة بين أدائها الماليّ الخاصّ والمجتمع ككلّ.

ومن الأمثلة الكثير عن السيناريوهات المُرْضِية لطرَفَي الأعمال والمجتمع: "وول مارت"، على سبيل المثال، تمكّنت من تخفيض تكاليفها بما يصل إلى 200 مليون دولار وخفض انبعاثات الكربون من خلال تقليص المسافات التي تقطعها شاحناتها بـ100 مليون ميل. وبالمثل، وفّرت "جونسون أند جونسون" 250 مليون دولار من تكاليف الرعاية الصحّية المخصَّصة لموظّفيها، من خلال تنفيذ برامج صحّية استفاد منها جميع فريق العمل.

كيف يمكن لشركةٍ ناشئةٍ أن تضطلع بالمسؤولية الاجتماعية؟

هل المسؤولية الاجتماعية للشركات تخصّ فقط اللاعبين الكبار، أم يمكن أن تنطبق على الشركات الصغيرة والمتوسّطة والشركات الناشئة؟ من الواضح أنّ الشركات الكبيرة تمتلك الوسائل وهي تجذب اهتمام وسائل الإعلام، وهو السبب الذي يدفع الكثير منها لمعالجة هذا الموضوع بطريقةٍ أو بأخرى.

أمّا بالنسبة للشركات الأصغر فهي سواء اهتمّت أم لا، فإنّ "الضغوط على الشركات الكبيرة سوف تُترجَم حتماً إلى ضغوطٍ على مورّديها، بما في ذلك الشركات الصغيرة والمتوسّطة".

وعلى المؤسَّسات الأصغر التي تحرص على المشاركة في المسؤولية الاجتماعية أن تعرف أنّ هذه المسؤولية يجب أن تكون قابلةً للتوسّع وتحمل نتائج متوقّعة حقيقية توضح هذا المسعى.

وبالتالي، يجب على الشركات الصغيرة والمتوسطة ألّا تحمل ما يزيد عن طاقتها، ويتمّ بذلك من خلال وضع حدٍّ لتفاعلها مع المجتمع المحلي، أو اختيار كليةٍ أو جمعيةٍ خيرية واحدة، أو عددٍ محدود منها، للتفاعل معها.

من المهمّ أن نأخذ في الاعتبار قيمة الأنشطة المختارة، والتي يمكن على حدٍّ سواء أن تسمح للشركة بالمساهمة في أفضل طريقةٍ ممكنة وأن تستفيد أيضاً من هذا المشروع. وعلى سبيل المثال، يمكن لشركةٍ ناشئةٍ تعمل على تقليل النفايات خلال عملياتها أن تؤهّل المشروع للحصول على تمويلٍ معين من المنظّمات البيئية أو بعض البرامج الحكومية الأخرى.

ومن الضروريّ أيضاً أن الانتباه إلى المسائل القريبة والداخلية عند إشراك المجتمع الأوسع، بحيث أنّ مبادرات المسؤولية الاجتماعية التي لا تُطبّق بالشكل الصحيح يمكن أن تكون أكثر ضرراً من عدم وجودها. وذلك مثل سوء معاملة الموظّفين أو عدم التركيز على جودة المنتَج من أجل متابعة المشاريع الاجتماعية أو أخرى مماثلة.

بغضّ النظر عن صحّة هذا المفهوم بالنسبة إلى الاعمال، فإنّ المسؤولية الاجتماعية للشركات أصبحَت واقعاً على الشركات أن تتأقلم معه. وبدلاً من النظر إلى العلاقات بين الشركات والمجتمع على أنّها لعبةٌ سلبية النتائج، يتعيّن على المديرين تبنّي إجراءات المسؤولية الاجتماعية للشركات والتخطيط لها استراتيجياً، لتحقيق الميزة التنافسية واستدامتها.

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.