English

قانون القوة – كيف التهم رأس المال المُغامِر سوق الأوراق المالية

English

قانون القوة – كيف التهم رأس المال المُغامِر سوق الأوراق المالية

بقلم جون غابر

في أيار/ مايو 1976، أرسلت إحدى الهيئات المُنظمة للأوراق المالية في كاليفورنيا تحذيراً إلى صندوق رأس المال المغامر، كلاينر بيركنز، بشأن مخاطر استثماره البالغ 100 ألف دولار في شركة جينينتك، وهي من أوائل الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا البيولوجية. فردَّ بهدوء المؤسس المشارك للصندوق، يوجين كلاينر، قائلاً: "إننا نعمل في مجال الاستثمارات التي تنطوي على قدر كبير من المضاربة".

وأثار "المستثمرون المغامرون" بوادي السيليكون الشكوك، وأحياناً العداء، منذ أن أصبحت كلاينر بيركنز في عام 1972 أول شركة تضامن تفتتح مكتباً لها في طريق ساند هيل – وهو طريق سريع عادي في شمال كاليفورنيا أصبح مكافئاً لشارع وول ستريت. ووصفهم المستثمر التكنولوجي المؤثر، بول غراهام، بأنهم "الشرير الكلاسيكي الذي يتعاقب عليه الجبن والجشع والخداع والاستبداد". ووصفهم ناقد آخر بأنهم "أتباع إبليس الذين لا يعرفون الرحمة".

ولكن بعد مرور نصف قرن من الزمان، وفي الوقت الذي نجد فيه "البرمجيات تلتهم العالم"، على حد تعبير مارك آندرسن الذي شارك في بناء متصفح موزاييك الرائد، التهم رأسُ المال المغامر سوقَ الأَوراق المالية. فشركة أبل، التي يُضرب بها المثل على المخاطرة في مجال التكنولوجيا في كاليفورنيا، وصلت قيمتها السوقية إلى ثلاثة تريليونات دولار. وتهيمن فيسبوك وغوغل وتسلا التابعة لإيلون ماسك على المحافظ الاستثمارية

. ويوضح استثمار شركة جينينتك السبب: فالصندوق الاستثماري الأول لشركة كلاينر بيركنز حقق عائداً بمقدار 42 ضعفاً بعد طرح جينينتك للاكتتاب العام في عام 1980 بتقييم مثير. وقد أثبت ذلك قانون قوة رأس المال المغامر، حيث تأتي معظم العائدات من أقلية ضئيلة من الاستثمارات. وكان كل ما يلزم هو أن تُصيب في رهانين أو ثلاثة من بين كثير من الرهانات المالية لتحقيق أرباح طائلة.

ويروي سيباستيان مالابي تاريخ اكتساح وهيمنة ثورة رأس المال المُغامر، من بداياتها المتواضعة في خمسينيات القرن الماضي وصولاً إلى تأثيرها الهائل في يومنا هذا. وقد تركَّز اهتمام أكبر على رواد الأعمال الذين أعادوا رسم ملامح العالم باستخدام التكنولوجيا، مثل جيف بيزوس وإيلون ماسك ومارك زوكربيرج، فحظوا باهتمام أكبر مما حظي به الذين ساندوهم. ويعالج ملابي هذا الأمر بكتابه "قانون القوة". ومؤلف هذا الكتاب بريطانيٌ من كبار زملاء مجلس العلاقات الخارجية، ومن الواضح أنه لا يقدم سيرة ذاتية لمجموعة من الممولين الأمريكيين، بل يتعاطف مع ثورتهم المعاكسة للتيار السائد. وإن لم يُوصف هذا الكتاب بالعبقرية، فأقل ما يُقال عنه أنه خير خلف لكتابه الشهير المعنون More Money Than God (2010) الذي تناول فيه صناديق التحوط، وكتابه المعنون The Man Who Knew (2016) الذي تحدث فيه عن ألان جرينسبان، الرئيس السابق للبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.

إن الصناديق الاستثمارية المنتشرة في أنحاء مدينتي "بالو ألتو" و"مينلو بارك" تمارس نفوذاً غير عادي، ابتداءً بصندوقي بينشمارك وسيكويا، وصولاً إلى صندوق آندرسن هورويتز الذي شارك آندرسن في تأسيسه. وما تحظى به هذه الصناديق من دعم مالي قد أعطى الضوء الأخضر لشتى المشروعات الثورية، بدايةً من منصات التواصل الاجتماعي وصولاً إلى منصات العملات الرقمية وسلاسل السجلات المغلقة التي تُعلَّق عليها اليوم آمالٌ كبيرة. وقد وصل شمول كتاب "قانون القوة" إلى درجة أنه في بعض الأحيان يختبر مدى صبر القارئ، ولكن مالابي يجعل الكتاب مُفعماً بالحيوية والإثارة من خلال الغوص في الشخصيات، والتوترات، التي تقف وراء تطور هذا القطاع، مثل مايك موريتز (السير مايكل الآن) في شركة "سيكويا"، وآندرسن المتقلب المزاج، وبيتر ثيل، ذلك الليبرالي المفعم بروح انتقامية الذي شارك في تأسيس صندوق "فاوندرز فند"

. والسؤال المحوري، كما يطرحه مالابي، هو: "هل صنع المستثمرون المغامرون النجاح، أم أنهم تصدروا مشهده فحسب؟" لقد كان لهم دور كبير في الأيام الأولى. فحينها كان هناك عدد أقل من المستثمرين المستعدين للمراهنة بأموالهم على أفكار محفوفة بالمخاطر، وكانت الصناديق تعمل في الغالب "مع رواد الأعمال بروح المبادرة"، على حد تعبير توم بيركنز من شركة كلاينر بيركنز. وبعبارة أخرى، قدموا كثيراً من النصح والمشورة. ويرى مالابي أن هذه الكيمياء السحرية ترجع إلى "مزيج من الإبداع الهادئ والطموح التجاري المؤثِّر" الذي تعززه "شهوة صريحة في الثراء الفاحش". وكانت إحدى الأفكار الرئيسية لشركات رأس المال المغامر هي الاستثمار في مؤسسي الشركة بقدر الاستثمار في التكنولوجيا، لأنه كان من المستحيل تقييم التكنولوجيا. فكان من الأسهل تحديد الأفراد الذين لن يحتملوا الفشل، وغالباً ما يكونون من المهاجرين الطموحين.

ولكن مع زيادة الاستثمارات التي حققت عائدات ضخمة، زاد تقدير رواد الأعمال لذاتهم (شركتا سيكويا وكلاينر بيركنز استثمرتا معاً 24 مليون دولار فقط في شركة غوغل في عام 1999، وعندما طُرحت الشركة للاكتتاب العام بعد خمس سنوات، بلغت قيمتها 23 مليار دولار). وإذا كان من السهل اصطياد رؤوس الأموال التي كانت مفتاح النجاح، فكم كان مقدار رؤوس الأموال المطلوبة من المستثمرين المغامرين في العالم؟ كان كثير من المؤسسين، مثل زوكربيرج في فيسبوك، يعتقدون أن المستثمرين القدامى في طريق ساند هيل يتلقون المال نظير الظهور في المشهد. وقد حوَّل بيتر ثيل هذا الاستياء إلى فلسفة تقول بأن المستثمرين المغامرين لم يقدموا شيئاً يُذكر سوى النقود، بل إن إشرافهم تسبَّب فعلياً في ضرر. ولأن المؤسسين الأكثر ابتكاراً كانوا "متكبرين أو كارهين للناس أو على حافة الجنون"، كان من الأفضل تركهم يسلكوا طريقهم. ويشير مالابي إلى أن العديد من الموظفين الأوائل في شركة PayPay كانوا قد صنعوا قنابل وهم تلاميذ في المدارس.

وتزامن هذا التمرد مع تزايد انسياب رؤوس الأموال. وكانت شركات طريق ساند هيل تفتخر بفطنتها في استثمار مبالغ محدودة ولكنها ناجحة وحققت لها أموالاً طائلة. وشقَّ ماسايوشي سون، مؤسس شركة سوفت بنك اليابانية، طريقه نحو استثمار بقيمة 100 مليون دولار في شركة ياهو في عام 1996 من خلال "تصرف أخرق". فقد كان صندوق بنشمارك ذو المليار دولار في عام 1999 قد بلغ عشرة أضعاف حجم صندوقها الأول، قبل أربعة أعوام. وكان لا بد أن ينتهي الأمر نهاية غير سعيدة، وقد حدث ذلك في شركة أوبر، حيث اضطر صندوق بنشمارك إلى تدبير مكيدة للتخلص من الشريك المؤسس العنيد، ترافيس كالانيك، وحدث أيضاً في شركة "وي ورك"، حيث أُطيح بزعيمها الروحي آدم نيومان من خلال محاولة فاشلة لطرح الشركة للاكتتاب العام.

وكانت الحسنة التي تشفع لشركات طريق ساند هيل هي عدم إقدام أي من الأسماء الكبرى على الاستثمار في شركة ثيرانوس، وهي الشركة الناشئة لاختبارات الدم المزيفة التي أسستها إليزابيث هولمز. وقد أسفرت الفضائح عن قليل من التواضع لدى فئةٍ لا تتحلى به بالفطرة. ففي أعقاب انهيار "وي ورك"، تراجع سون عن جعل الشركات تنمو "بشكل أجنّ وأسرع وأكبر". ولكن لم تتوقف "سوفت بنك" وصندوقها "فيجن فند" عن المراهنة بأموال الآخرين، ولا تزال شركات طريق ساند هيل تلهث وراء العملاق القادم المنتظر ظهوره في مجال العملات المشفرة. وسوف يسير شيء ما على غير ما يُرام، ولكن ما فائدة التحذير من ذلك إذا كان التاريخ يشير إلى أن العكس هو الصحيح؟ ويتمثل الأسلوب الذي يتبعه المستثمرون المغامرون في النظر في حالات عدم اليقين "وتخيُّل ... ماذا يمكن أن يحدث إذا سارت الأمور على ما يرام"، على حد تعبير موريتز في حديثه إلى مالابي. وعلى الرغم من الجانب القبيح لهذا القطاع، بما في ذلك ثقافته التي يهيمن عليها الرجال والمشوبة بهرمون الذكورة، فقد غيَّر ملامح العالم. فخرج لنا ملابي برأي حصيف مفاده أن "المستثمرين المغامرين فئةٌ لها تأثير إيجابي على الاقتصادات والمجتمعات". ولا شك أنهم قد أثبتوا قوتهم. فإن فيسبوك، وغوغل، وأوبر، وسبيس إكس، وأمازون، وديليفرو، وجميع الشركات العملاقة الأخرى كانت تقف وراءها صناديق استثمارية مغامرة ذات شهية مالية بلا حدود وأعصاب قوية للغاية. ولا يسع المرء إلا أن يجد فيها وجهاً يحوز إعجابه.

 

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.