كيف تساهم تكنولوجيا التعليم في تحسين مستقبل العمل في المنطقة العربية؟
شباب المنطقة العربية الذين يبحثون عن عمل يقارنون التوجّهات والتكنولوجيا إلى أنظمة التعليم القديمة في القرن الواحد والعشرين. (الصورة من MCGPartners)
يقف بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أمام مفترق طرق، ويؤثّر اختيارهم للطريق التي سوف يسلكونها على مستقبل شباب المنطقة بأكملها.
تبلغ الفئة العمرية المتراوحة بين 15 و29 عاماً أكثر من 30% من سكّان المنطقة العربية وهي أعلى نسبة شباب تسجّلها المنطقة حتّى الآن. وبالتالي، يمرّ أكثر من 100 مليون شاب عربيّ في السنوات الأكثر تأثيراً على حياتهم ويؤثّر فشلهم أو نجاحهم على مستقبل المنطقة بأكملها.
لذلك، ومن أجل أن تستوعب اقتصاديّات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الجيل الجديد من طالبي العمل، يجب وفقاً لبيانات "البنك الدولي" إيجاد 100 مليون فرصة عمل إضافيّة بحلول عام 2020.
لكنّ وضع بطالة الشباب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تشهد أكبر نسبة بطالة في العالم لا يبدو على تحسّن، ويعود ذلك إلى أنظمة التعليم المتخلّفة بالنسبة إلى العالم المتغيّر الذي يحيط بها. فعلى سبيل المثال، تخرّج منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سنويّاً طلاّب أقلّ في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات من أيّ منطقة أخرى.
أثر الحرب
بسبب الحرب، يبدو مستقبل عدد كبير من شباب المنطقة العربية معتماً إذ أنّ سوريين وعراقيين وليبيين وسودانيين ويمنيين كثر لن يجدوا فرص تعليم وعمل خارج منطقة حرب أو مخيّم لاجئين.
يشكّل النزاع في سوريا بشكل خاص أكبر مساهم في عدد النازحين واللاجئين اليوم؛ وقد ترك ما يقارب 3 ملايين طفل سوري المدرسة بسببه. فضلاً عن ذلك، تشير التقديرات إلى أنّ عدد الطلاب السوريين الجامعيين الذين اجبروا على ترك مقاعد الدراسة وطلب اللجوء يفوق 100 ألف طالب.
بالرغم من أنّ التحديّات كبيرة، إلا أنّ الأمل بأنّ القادة ومتخّذي القرار سوف يتصرّفون كفاعلي تغيير ويزوّدون الشباب بالوسيلة لتغيير مستقبل المنطقة لم يمت. بالنسبة للبعض، يكمن هذا الأمل في استخدام التكنولوجيا الرقميّة الابتكارية لزيادة النفاذ إلى التعليم العالي الجودة.
بناء الحلول
تظهر الشركة الناشئة المصريّة "نفهم" Nafham كيف يمكن لريادة الأعمال والابتكار بمرافقة الزيادة في استخدام الإنترنت والأجهزة المحمولة أن تساعد المنطقة على مواكبة مستقبل العمل.
"نفهم" منصّة إلكترونيّة تعليميّة مجّانيّة باللغة العربيّة يعتمد منهجها على الفهم والتطبيق والتجارب العلميّة ومشاركة المعرفة مع الآخرين. بجوهرها، تعمل "نفهم" كأداة أساسيّة لتطوير القدرة على ‘تعلّم كيفيّة التعلّم‘ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
في حديثه مع "ومضة"، يقول مؤسس ورئيس مجلس إدارة "نفهم"، أحمد الألفي، إنّ "[‘نفهم‘] تسمح للناس أن يتواصلوا ويفسّروا المواضيع لبعضهم بعضاً" مضيفاً: "خلال شرح الدرس، يحصل أمران: أوّلهما أنّ الشخص الذي يشرح الدرس والذي يكون بأغلب الأحيان من الطلاّب يتعلّم المادة بشكل أفضل، والثاني أنّ خيارات متعددة للتحدّث عن المواضيع وتفسيرها تصبح متاحة لطالب العلم."
ويضيف الألفي أنّ من بين 500 ألف طالب يستخدمون المنصّة شهرياً، 15 ألف طالب هم في سوريا وعدد غير محدد من المستخدمين هم في مخيّمات اللاجئين.
في المنطقة العربية، تستخدم شركات ناشئة أخرى هذه
التكنولوجيا لخدمة الناس الأكثر ضعفاً في المنطقة. على سبيل المثال،
تطبّق "ريفوجي أوبن وير" Refugee
Open Ware و"ثري
دي مينا" 3Dmena في الأردن تكنولوجيا
الثورة الصناعية الرابعة من أجل تزويد المجتمعات بالمهارات
المطلوبة للمشاركة في اقتصاد القرن الواحد والعشرين.
اليدّ ثلاثيّة الأبعاد المطبوعة باستخدام مادة من البوليستر المعدّل المقوّى بالكربون، والتي طبعها عاصم حسنة، اللاجئ السوري في فريق "ريفوجي أوبن وير" الذي تعلمّ الطباعة الثلاثية الأبعاد في 3 أسابيع. (الصورة من 3ders.org)
ديف ليفن، المدير التنفيذي لـ"ريفوجي أوبن وير"، يقول إنّ استخدام التكنولوجيا لبناء المهارات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضروري إذ أنّ "لدينا فرصة الاستفادة من أدوات الثورة الصناعية الرابعة التي تمثّل أكبر تحوّل اقتصادي شهدته المنطقة حتّى اليوم. ولكن هل يمكننا الاستفادة من هذه الفرصة لتلبية حاجاتنا وهل يمكننا تحمّل عدم القيام بذلك؟
توثيق الحاجة لحلول تكنولوجيا التعليم
ميساء جلبوط، الرئيسة التنفيذيّة لـ"مؤسسة عبدالله الغرير للتعليم" Abdulla Al Ghurair Foundation for Education وهي أكبر مبادرة خيرية تعليميّة ذات تمويل فردي في العالم، تعلم بأنّ تأمين فرص التعليم للشباب ضروري لبقاء المنطقة.
في حديثها مع "ومضة"، تذكر هذه الأخيرة أنّ "الاستثمار في التكنولوجيا فقط لن يحسّن جودة التعليم أو النفاذ إليه، لكننا نعيش في وقت مميّز من التاريخ حيث تحدث التكنولوجيا ثورة في كلّ شيء." وتضيف قائلةً، "أشعر أنّ هذه المنطقة في خطر عدم التمكّن من اللحاق بالابتكارات التي تحصل على مستوى عالمي."
ميساء جلبوط ملتزمة بتأمين تعليم مناسب لشباب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (الصور من "مؤسسة الإمارات")
شاركت جلبوط في كتابة ورقة عمل لـ"معهد بروكينجز" Brookings Institution بعنوان "الثورة في التكنولوجيا: هل تزيد الفجوة في المهارات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو تسدّها؟" Will the technology disruption widen or close the skills gap in the Middle East and North Africa. وقد تطّرقت إلى مستقبل العمل وتأثيره على شباب المنطقة العربية، كما قدّمت نصائح لمعالجة فجوات البطالة التي تواجهها المنطقة.
تسلّط هذه الورقة الضوء على خمسة توجّهات تكشف عن فرص في المنطقة وهي التالية:
1- يتطّلب ارتفاع متوسّط العمر المأمول من الشباب التخطيط لسنوات عمل إضافيّة، وبالتالي ليواكبوا العلم طوال سنين حياتهم. وبالتالي، عليهم أنّ يكونوا ملمّين باختصاصات مختلفة ويتخصّصون بأكثر من مجال واحد.
2- تؤدّي الأتمتة (أي التشغيل الآلي) إلى الحدّ من الوظائف التقليدية، وتظهر الحاجة إلى إيجاد الفرص للعاملين الكفوئين وتحسين المهارات مثل التواصل وحلّ المعضلات.
3- أدّت الزيادة في تحليلات البيانات إلى متطلّبات أكثر في المعرفة الرقميّة والمواهب العالية في التحليلات، بالإضافة إلى معارف وخبرات في موضوعات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات وبالأخصّ البرمجة.
4- تغيّر أشكال وسائل الإعلام الجديدة طبيعة التعليم وفهمنا لكيفية التعليم. وتتطلب ألعاب الفيديو والتحريك الحاسوبي animation والشبكات الافتراضية الأخرى نوعاً جديداً من المعرفة فيما تشّجع نماذج جديدة للتعاون والتواصل.
5- يرافق تغيّر طبيعة العمل تغيّراً في بنية المنظّمات فتصبح هذه الأخيرة أكثر تنوّعاً في الشكل وفي المضمون ما يؤدّي إلى ليونة وفرص أكثر. نتيجة لذلك، من المتوقّع من العمّال أن يتمكّنوا من التأقلم مع البيئات المختلفة وأن يطّلعوا على الثقافات المختلفة، وأن يجيدوا العمل والتواصل في البيئات كافة.
التأقلم مع عالم متغيّر
لن يرى المستقبل عدداً كبيراً من الوظائف التي نستخفّ بها اليوم. ويتوقّع "المنتدى الاقتصادي العالمي" World Economic Forum أنّ "65% من الأطفال الذي يدخلون المدارس الابتدائية اليوم سوف يشغلون في المستقبل وظائف غير موجودة بعد."
بدورها، تعتقد جلبوط أنّ المنطقة لم يعد لديها متّسعاً من الوقت وعليها أن تبدأ بالتفكير حول تحضير هؤلاء الشباب لهذه الوظائف شارحةً أنّ "هذا يعني التركيز على التعليم المستمرّ والمستقلّ كي لا يكون الشباب متلقّين للمعلومات فقط."
فتخطي أنظمة التعليم القديمة باستخدام التكنولوجيا الحديثة وتغيير عقليّة المدرّسين المتشبّعين من هذه الأنظمة القديمة الخالدة يتطلّب جهوداً تعاونية بين كلّ القطاعات بخاصةٍ القطاع الخاص إذ أنّ "لا فريق يمكنه حلّ المشكلة لوحده."
تضيف جلبوط أنّ "هناك إمكانيات كبيرة للتعاون حول الابتكار، بالأخص عندما يتعلّق الأمر بروّاد الأعمال الذين يبنون حلولاً تكنولوجيّة لتوجيه هذه الأدوات من أجل إحداث أثر اجتماعي."
مما لا شك فيه أنّ التكنولوجيا الرقميّة ومبادرات التعليم الحديثة سوف تستمرّ في تأدية دوراً مركزيّاً في مستقبل شباب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كون نسبة المتصّلين بالإنترنت تفوق 50% من عدد سكّان المنطقة كما تصل نسبة انتشار الإنترنت إلى 20% في جميع أنحاء المنطقة.
بالنسبة لجلبوط، "يظهر نموذج المدارس التقليدي عن فشله [في حالات عدّة] حيث أنّه لا يمكنه التقدّم مع تغيّر الأوضاع، في حين تشكّل التكنولوجيا الرقميّة والتعلّم الإلكتروني فرصاً هائلة للتغيير ومجالات غير مستثمرة بما فيه الكفاية رغم أنّها تستأهل للاستثمار."