هل تغيّر هذه الشركة المصرية طريقة قراءة ونشر الأخبار؟
باتت شبكة الإنترنت تشهد الكثير من المواضيع الإخبارية والمقالات العلمية غير الدقيقة، حتّى في اللغة العربية. غير أنّ "جورناس" Journas التي تشبه "ريدِت" Reddit تريد تغيير هذا الواقع عبر تمكين المستخدِمين من نشر المواد من مواقع أخرى أو إنشاء محتوى أصليّ، يمكن للآخرين التعليق عليه وإعادة نشره وتقييمه ومراجعته.
انطلقت المنصّة على أيدي الصديقين تميم هيكل وأحمد دويك، اللذين كانا يعملان سابقاً في شركة "دي إتش إل" DHL. وقد أراداها في البداية أن تكون بمثابة أداة أرشفةٍ للصحف والمجلّات والأبحاث العربية لتسهيل الاطّلاع على الأخبار.
ولكن فيما بعد، اضطرّا إلى تغيير نموذج العمل هذا بسبب ارتفاع كلفة تشغيل الخوادم الضخمة وإدخال البيانات والأرشفة. وبعد محاولة رقمنة المستخدِمين في بلادٍ تعتمد كثيراً على الصحف مثل مصر، قرّرا أن يحولّا "جورناس" إلى منصّةٍ تشبه "ريدِت". ثمّ بعد انضمام الشريك المؤسّس لـ"سنجل كليك" Singleclic، تامر بدر، إلى الفريق، انطلقت المنصّة بحلّتها الجديدة في شهر أيلول/سبتمبر من عام 2015.
باتت "جورناس" تسمح المستخدِمين المسجّلين الذين يصل عددهم إلى 200 ألفٍ بالإشراف على موادهم ومشاركتها ونشرها، ضمن ما يُسمّى "جورليست" Jourlist (أي قائمة الأخبار). وعليه، ينشئ المستخدِم قائمةً بحسب اهتماماته، بحيث يمكنه قراءة المقالات التي يريد والتعليق عليها ومشاركتها وتقيمها.
المال ليس كلّ شيء
كان الفريق يجني الإيرادات من الإعلانات التي توضع على الموقع ومن المحتوى المدفوع، كما أنّ الموقع سرعان ما بات يشهد تدفّق الكثير من الزائرين ووصل إلى ما يقرب المليون زائرٍ شهرياً خلال ستّة أشهر؛ وكلّ ذلك من دون أن يدفع الفريق شيئاً على التسويق.
بالإضافة إلى ذلك، تمكّنت بعض قوائم الأخبار jourlists على المنصّة من الحصول على شعبيةٍ كبيرةٍ في فترةٍ قصيرة، مثل قائمة "درويش بوست" Darwish Post التي تُعنى بجمع الأخبار، وقائمة "365 يوم مكرونة" 365 Days of Pasta التي تقدّم طرقاً مبتكرةً لطهو المعكرونة كلّ يوم، وقائمة "سيتوبيا" Scitopia للأخبار العلمية المبسّطة.
يشير هيكل الذي يشغل منصب الرئيس التنفيذي في الشركة، في حديثٍ مع "ومضة"، إلى أنّهم ما زالوا حتّى الآن يعتمدون على التمويل الذاتيّ. "فعندما انطلقنا لم نكن نهتمّ لذلك، وكلّ ما أردناه هو إطلاق منصّةٍ تسمح للكتّاب ومحبّي القراءة بالعثور على مكانٍ آمنٍ لتجميع المحتوى، من دون أيّ تأثيراتٍ سياسية أو دينية".
ويضيف أنّه لم يكن لديهم أدنى فكرةٍ عن أنّهم سيحصلون على هذا العدد من المستخدِمين المسجّلين وهذا العدد من زائري الموقع، من دون إنفاق أيّ فلسٍ على التسويق أو تحسين امتثال الموقع لمحرّكات البحث SEO. وبالتالي، يرى أنّ "هذا جعلنا نؤمن أكثر في قوّة منصّة المحتوى التي ترتكز إلى وسائل التواصل الاجتماعيّ ".
قليلٌ من كلّ شيء
يكشف دويك، وهو مدير العمليات، أنّ ما حثّهم على إضافة قسمٍ للمدوّنات هم المستخدِمون أنفسهم. وذلك لأنّهم شعروا بأنّ "جورناس" يمكنها أن تكون محطّةً متكاملةً لإنشاء المحتوى والإشراف على المواد الرقمية في الوقت عينه.
ويشرح أنّ المستخدِمين "كانوا متعطّشين لمنصّةٍ تسمح لهم بإنشاء محتواهم الخاصّ ومشاركة المحتوى الذي يُنشِئه الآخرون، وذلك في مكانٍ آمن يسمح لهم بعرض مواهبهم ومشاركة معارفهم مع أشخاصٍ يشتركون معهم بالتفكير".
أمّا بالنسبة إلى المحتوى العربيّ، فيلفت بدر إلى أنّه كان من الصعب إيجاد محتوى عربيّ جيّد يتوجّه إلى سكّان الشرق الأوسط ويتضمّن مواضيع مثل العلوم والتكنولوجيا والتوجّهات الرقمية.
لماذا "جورناس" وليس "فايسبوك"؟
يشكّل الناطقون باللغة العربية قرابة 4.5% من سكّان العالم، ولكنّ المحتوى العربيّ على الإنترنت يتراوح فقط بين 1 و3% من مجمل المحتوى الرقميّ العالميّ. في المقابل، تصل نسبة انتشار الإنترنت في مصر إلى 49.6% وفي السعودية إلى 60.5%، ويمضي المتصّفحون معظم وقتهم على مواقع التواصل الاجتماعيّ والترفيه.
وبالتالي مع إضافة موقع "فايسبوك" لميزة إنشاء ونشر التدوينات عبر "فايسبوك نوتس" Facebook Notes، ما الذي تقدّمه "جورناس" لتجذب المستخدِمين إليها؟
يشرح دويك أنّ "أصدقاءك على ’فايسبوك‘ لا يمتلكون بالضرورة الاهتمامات نفسها التي تمتلكها. فالناس يضيفون بعضهم البعض بناءً على معرفةٍ شخصية أو لأنّهم يعملون سوياً، وهذه العلاقة لا تقوم على الاهتمامات المشتركة".
أمّا على "جورناس"، فيؤكّد أنّ "أساس العلاقة هو الاجتماع حول اهتماماتٍ مشتركة ومواضيع معيّنة، بحيث يقوم أشخاصٌ لا يعرفون بعضهم بعضاً باللقاء وتحليل المحتوى المنشور أو أيّ شيءٍ آخر".
وبحسب هيكل، فإنّ "الناس لا يزورون ’جورناس‘ ليكسبوا إعجاب الآخرين، إنّما لمناقشة ما يتمّ نشره من مواضيع".
المحتوى العربي فرصة قريبة
يرى محمد جمال، مؤسِّس منصّة "كتبنا" Kotobna لنشر الكتب العربية على الإنترنت، أنّ "جورناس" تسير في الاتّجاه الصحيح. فبسبب قلّة المحتوى العربيّ الجيّد وانتشار الغشّ والمحتوى غير الدقيق، بات إنشاء المزيد من المنصّات التي تقدّم محتوى عربياً أمراً أكثر من ضروريّ.
وفيما يشير إلى أنّ هناك طلباً على المحتوى العربيّ، يعتبر أنّ "جورناس" تعمل على تلبية طلب المستخدِمين بدلاً من أن يضيع هؤلاء وقتهم وطاقاهم على مواقع التواصل الاجتماعيّ في مشاركة هذا النوع من المنتَجات المخصّصة مع مستخدِمين آخرين لا يهتمّون بها على الأرجح".
كذلك، يتوقّع جمال أن يشهد المحتوى العربي الرقميّ زيادةً كبيرةً خلال السنوات المقبلة إذا استمرّت منصّاتٌ مثل "جورناس" بالموازنة بين النوعية والكمّية. ولكنّ ذلك لا بدّ أن يترافق مع زيادةٍ للخصائص التفاعلية، لزيادة تشارُك المحتوى المؤثّر وإدراك قيمته.