English

كيف تدعم الشركات المحلية النسيج الاقتصادي للدول؟

English

كيف تدعم الشركات المحلية النسيج الاقتصادي للدول؟
Miguel Angel Povedano. Image courtesy of MAF

بقلم: ميغيل بوفيدانو, الرئيس التنفيذي للشؤون التجارية في ماجد الفطيم للتجزئة 

إن النطاق الهائل لانتشار وباء "كورونا" المستجد "كوفيد -19" والتعقيدات المصاحبة له وتأثيره الاجتماعي والاقتصادي أصبح الآن أمراً جليّاً تماماً. فقد دفعت هذه الأزمة المباغتة قادة الصناعة بالمنطقة إلى إعادة النظر في نموذج سلسلة الإمداد العالمية لديهم والعمل على تحويلها. وفي الوقت الذي لا يزال التأثير الكامل للأزمة مجهولاً، فمن المرجح أن تُمنى محاولات العديد من الشركات المتعثرة للتعامل مع الأزمة بشكل فعال بفشل ذريع، لاسيما فيما يتعلق بتبني مصدر إمداد محلي، الأمر الذي سوف يضر بالنسيج الاقتصادي لكل دولة. وعلاوة على ذلك، لم يعد بوسعنا أن نتوقع من الحكومات معالجة أزمة بهذا النطاق الواسع والقدوة بشكل منفرد، إذ يتطلب ذلك اضطلاع أطراف متعددة بأدوارها على امتداد منظومة الأعمال كافة، وعن طريق تضافر جهود الأجهزة الحكومية والقطاع الخاص والمؤسسات المجتمعية من أجل دعم الاقتصاد بشكل عام خلال هذه الظروف القاسية.

الاعتماد المفرط على العولمة

لا شك أن تعطل سلاسل الإمداد العالمية واتباع أساليب التوريد التقليدية يؤثر بشكل بالغ على اقتصادات المنطقة التي يعتمد فيها الموردون والموزعون إلى حد كبير على أسواق أحادية المصدر للواردات، وهو أمر ذو تأثير خطير بشكل خاص في سياق سلسلة الإمدادات الغذائية. وتتطلع الشركات في دولة الإمارات بشكل متزايد إلى انتهاج أساليب الابتكار والتكيف بحيث يمكنها الاعتماد بشكل أقل على العولمة والارتقاء بمستوى الموارد الموجودة بالفعل محلياً. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى حماية الصناعات، وضمان المرونة على المدى البعيد، ودعم الاقتصاد لفترة طويلة في المستقبل. وربما ساهم "كوفيد -19" في تسريع هذه العملية. فالاستثمار من أجل دعم إنتاجية الاقتصاد المحلي في هذه المنطقة لن يساعد الشركات على تجاوز الأزمة الحالية فحسب، بل سيدعم الازدهار على المدى الطويل أيضاً. وأصبح التوجّه نحو تبني أنظمة محلية أكثر استدامة في مجالات الزراعة وتصنيع وتوزيع الأغذية يشكّل أهمية أكبر حالياً من أي وقت مضى.

سلسلة الإمداد المحلية بالمنطقة

يساهم توطين الإمدادات الغذائية في تقليص المسافة بين الشركات والموردين، وبالتالي تعزيز مرونة وقوة هذه الشركات. وتشمل المزايا الإضافية للنموذج المحلي تحسينات الجودة وتحكماً أكبر وتكاليف أقل وزيادة المرونة وتوفير وظائف لأفراد المجتمع وتحسين الاستدامة البيئية. ولذلك فمن الأهمية بمكان أن تركّز الشركات العاملة محلياً على سبل ملاءمتها لهذا الإطار لضمان قدرتها على التعامل مع حالات عدم الاستقرار في سلسلة التوريد العالمية، والفرص التي يوفرها نهج توطين سلاسل الإمداد المحلية لكل شركة على نطاق أوسع. ولا شك أن هذه الضرورة أكثر أهمية مع تزايد الضغوط الهائلة التي تفرضها ظاهرة التغير المناخي على أمننا الغذائي. وفي الواقع، تحتل دولة الإمارات العربية المتحدة المرتبة 21 ضمن مؤشر الأمن الغذائي العالمي وتستهدف الوصول إلى أعلى 10 دول بحلول عام 2021 وإلى المركز الأول بحلول عام 2051. وعلاوة على ذلك، تشكّل واردات المواد الغذائية حالياً نسبة 90 في المئة من إجمالي الاستهلاك في الدولة.

أفكار مبتكرة للسوق المحلي

لقد باشرت شركة "ماجد الفطيم" هذه الدعوة بجدّية وبدأت بتنفيذها، من خلال تبني وتطوير مبادرات جديدة للاستفادة مع الدروس المستفادة من استمرار هذا الوباء. وتضمن ذلك إطلاق مزارعنا المائية حديثاً في إطار التزامنا بالزراعية المحلية في الإمارات. وقمنا بافتتاح أول مزرعة مائية في "كارفور" فرع الوصل بدبي، وهي مزرعتنا الثالثة على متسوى الدولة. ومن خلال هذه المزرعة، يمكننا زيادة كمية المواد الطازجة المنتجة محلياً والمستدامة التي يتم توفيرها لعملاء "كارفور"، مع المساهمة في الوقت نفسه بتقليص المسافة التي تقطعها الأغذية والبصمة الكربونية الناجمة عن الإنتاج. وبالنظر إلى الجوانب البيئية والاستدامة، تستخدم المزرعة أيضاً مياه أقل بنسبة 90 في المئة ومساحة أقل مقارنة بتقنيات الزراعة التقليدية.

وفي السياق نفسه، تتبنى "ماجد الفطيم" مبادرة على الصعيد المحلي من خلال التعاون مع وزارة البيئة والتغير المناخي من أجل زيادة توفير المنتجات المزروعة محلياً عبر متاجر "كارفور" في الدولة. ويتمثل الهدف الأساسي لبرنامج التعاون هذا في فتح قنوات توزيع جديدة أمام أكثر من 6 آلاف صاحب مزرعة محلية صغيرة ومتوسطة ممن يجدون صعوبات في تسويق إنتاجهم عبر الطرق التقليدية، ما سيضمن التوفّر المستمر للمنتجات الغذائية الطازجة في جميع أنحاء الدولة. ويجسّد هذا التعاون مع جهة حكومية نموذجاً للشراكة المثمرة بين القطاعين العام والخاص بهدف تحويل الظروف الصعبة إلى فرصة للازدهار المشترك.

وبالإضافة إلى ذلك، تلعب متاجر "كارفور" التابعة لنا على مستوى المنطقة دوراً أساسياً في معالجة الفجوات في سلسلة الإمداد من العلامات التجارية العالمية. ويتم تصنيع معظم المنتجات من قبل منتجين محليين وإقليميين. وقد مكّننا ذلك من تسريع وتيرة الإنتاج مع هؤلاء المنتجين لتلبية الطلب المتزايد، مع التحكم في السعر لتلبية احتياجات العملاء الأكثر وعياً ويسعون إلى الإلمام بكافة جوانب المنتج. ونتيجة لذلك، نمت المبيعات الخاصة بـ "كارفور" بمعدل أربع مرات أسرع من العلامات التجارية الرائدة في الفئة نفسها.

التركيز على المرونة في المستقبل

بينما تبدأ الشركات بالمنطقة في استيعاب الصدمة والعمل لصياغة مسار جديد نحو المستقبل، فإنني أعتقد أننا سنشهد التزاماً جديداً بتعزيز سلاسل الإمداد المحلية لدينا والتفكير بشكل إبداعي، مستهدفين الوصول إلى مرونة أكبر في السنوات القادمة. ونحن كشركات تجزئة كبيرة علينا أن نضطلع بمسؤولياتنا في هذا الصدد من خلال توقيع عقود شراء طويلة الأجل لتمكين الموردين المحليين من تحقيق النمو والتوسع لأعمالهم. كما يتوقع أن يصبح إرساء شراكات قوية بين القطاعين العام والخاص داخل مناطقنا المحلية أمراً طبيعياً جديداً. يتعين أن تفهم الشركات سلاسل الإمداد الخاصة بها بشكل أكثر عمقاً، وأن تسعى إلى تقليل الاعتماد على الموردين الدوليين، خاصةً عندما تتيح الطرق البديلة المحلية بدائل قابلة للتطبيق.

إن الاستثمار في تعزيز إنتاجية الاقتصاد المحلي بهذه المنطقة لن تقتصر أهميته على مساعدة الشركات لتجاوز الأزمة الحالية فحسب، بل سيساهم أيضاً في تحقيق الازدهار على المدى الطويل. وسنواصل معاً استكشاف حلّ أكثر استدامة، من خلال دعم النسيج الاقتصادي للدول التي نعمل بها، من أجل غدٍ مشرق وأكثر مرونة.

 

شكرا

يرجى التحقق من بريدك الالكتروني لتأكيد اشتراكك.